"المرأة تسترد وجهها": انتقلت من خندق "ناقصات العقل" إلى منبر الدعوة ومنصات القضاء
وزير الأوقاف فى لقاء مع واعظات الأوقاف
عطل فكر الجماعات الدينية نصف المجتمع عن أى وجود أو فاعلية، فالمرأة محلها البيت، فهى ناقصة العقل والدين، ومصدر فتنة ومحرك للشهوة لا غير، لذا فبقاؤها فى منزلها واجب شرعى وحتمى ليستقر المجتمع، كانت هذه بعضاً من موروثات الجماعات التى شوهت بها العقل المسلم، وكان لازماً بعد زوالهم إزالتها ومواجهتها. وقاد تلك الأفكار، مشايخ السلفية وعلى رأسهم أبوإسحاق الحوينى ومحمد حسين يعقوب ومحمد عبدالمقصود وحازم صلاح أبوإسماعيل ومحمد سعيد رسلان، وغيرهم الذين دمروا حقيقة المرأة فى الإسلام.
وتحدثت قيادات المؤسسات الدينية مراراً وتكراراً خلال السنوات الخمس السابقة بإيجابية كبيرة عن المرأة ودورها بالمجتمع، وأكد الأزهر الشريف على منع المرأة من الحصول على حقها بكفاءتها، تقاليد خاطئة ومرفوضة؛ لأنها تشوه موقف الإسلام من المرأة، فالمرأة نجحت فى الاضطلاع بما تولته من مهام ومسئوليات، ومناصب قيادية، وأن تمكين المرأة واحترام حقوقها، إيماناً بأهمية دورها وفضلها فى النهوض بالمجتمعات، وفق ما يؤكده الإسلام الصحيح، وأكد عدم وجود أى توجه رسمى لمنع المرأة من المناصب القيادية، كما شدد الأزهر على أن أى توجه أو رأى يحجر على المرأة، يمثل تشويهاً لموقف الإسلام منها، ولا يتجاوز حد التقاليد المنبوذة، فالإسلام كرَّم المرأة وسبق الجميع فى منحها حقوقها كافةً، بَدءاً من الحق فى التعليم، إلى حق التملك والذمة المالية المستقلة.
وعمل الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء، على نقد الفهم السيئ لبعض الأحاديث التى تتعلق بالمرأة، التى تصفهن بأنهن ناقصات العقل والدين وقال، عبر موقعه الرسمى إن المرأة فى الإسلام كالرجل فى أصل التكليف، والحقوق والواجبات، لكن الاختلاف الذى بينهما فى ظاهر الحقوق والواجبات من قبيل الوظائف والخصائص، وليس من قبيل تمييز نوع على آخر، فلا يعد اختلاف الوظائف والخصائص انتقاصاً لنوع، وحديث «ناقصات عقل ودين»، يفيد معنى جمال المرأة، وقدرتها على التأثير على عقل الرجل، حيث قال النبى: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذى لب منكن، قالت: يا رسول الله، وما نقصان ديننا وعقلنا؟ قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالى ما تصلى وتفطر فى رمضان فهذا نقصان الدين».
أضاف: الحديث فى بدايته تدليل وتعجب من قدرة المرأة على التأثير على عقل أحكم الرجال، ثم عندما ظنت إحدى النساء أن المعنى فيه إساءة للنساء سألت النبى عن معنى ذلك النقصان الذى أطلقه النبى فى بداية حديثه، فأخبرها النبى بأن هذا النقصان لا يعنى دنو منزلة المرأة فى العقل والدين عن الرجل، وإنما يعنى ضعف ذاكرة المرأة غالباً فى الشهادة على الأمور المالية لقلة اشتغالها بها، ولذا احتاجت من يذكرها، ويعنى أيضاً ما يحدث للمرأة من أمور فسيولوجية خاصة بطبيعتها الأنثوية، كالحيض والنفاس، ما خفف الشرع عليها أثناء فترة هذه المتاعب الصحية من ترك الصيام والصلاة.
وخصصت وزارة الأوقاف للمرأة عاماً كاملاً هو عام 2017. وقال الشيخ جابر طايع، رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف لـ«الوطن»: عملت الوزارة على تمكين المرأة داخل أروقتها، ففتحت الباب للواعظات على مصراعيه ليملأن فراغ مصليات السيدات، بديلات للسلفيات والأخوات ذوات الفكر المتطرف، حيث تم اعتماد 1104 محفظات متطوعات، وتم اعتماد 236 واعظة، حيث تم الدفع بهن للعمل الدعوى وفق تعاليم الإسلام السمحة، كذلك تم تكليف الدكتورة هدى حميد معوض، الحاصلة على دكتوراه فى فلسفة الإعلام وثقافة الأطفال من جامعة عين شمس بالعمل مديراً لإدارة الإعلام بديوان عام الوزارة، وهى المرة الأولى فى تاريخ الوزارة التى تتولى فيها المرأة هذه الإدارة، وذلك بعد النجاح الكبير لتجربة الواعظات.
"شاهين": هناك سيدات مرشحات لعضوية "كبار العلماء"
وعلى جانب المؤسسة الأزهر، سعت المشيخة لتمكين المرأة فى كافة القطاعات فلأول مرة تعيين أمين مساعد لمجمع البحوث الإسلامية لشئون الواعظات، وهى الدكتورة إلهام شاهين أستاذ العقيدة والفلسفة التى أكدت لـ«الوطن» أن المرأة تحظى بمكانة هامة داخل الأزهر وهناك دعم تام من قبل شيخ الأزهر، والمؤسسة تعمل على تدريب وتنمية مهارات الواعظات وطالبات الأزهر لتحقيق طفرة فى ملف الدعوة النسائية. كذلك جرى تعيين عدد من مديرات العموم بقطاع التعليم الأزهرى، فيما تم ترشيح بعض السيدات لعضوية هيئة كبار العلماء. وواجهت مؤسسات الأزهر كل ما يتعلق بالمرأة بالنقد والشرح والتوضيح والتفسير، وأطلقت المنظمة العالمية لخريجى الأزهر، برنامجاً لتنمية ودعم وتمكين المرأة الأزهرية، بهدف الاهتمام، وزيادة الوعى المجتمعى بالقضايا التى تهم المرأة وتأهيلها لمجال سوق العمل، للقضاء على البطالة ومساعدة المرأة الأزهرية على اقتحام مجال ريادة الأعمال وتأسيس المشروعات الصغيرة، ورفع كفاءة أعضاء هيئة التدريس والخريجات.
وحرصاً من شيخ الأزهر على دعم وتمكين المرأة أصدر القرار رقم 32 لسنة 2018 والذى ينص على حظر نقل السيدات من أماكن عملهن ما لم يكن برغبتهن، وذلك للتخفيف على السيدات وتقليل أعباء السفر للأماكن البعيدة عن عملها فى مناطق كثيرة. وعلى جانب دار الإفتاء، فتشهد الدار وجود مفتيات فى صفوف العاملين فيها، كذلك عدد من الباحثات فى المجال الشرعى، وكذلك المتدربات على الإفتاء.
"عاشور": الدين أباح توليها القضاء وسائر المناصب القيادية
وحول حرمة عمل المرأة، كما تدعى الجماعات المتشددة، أكد الدكتور مجدى عاشور، مستشار مفتى الجمهورية لـ«الوطن»، أن المرأة مثل الرجل فى سائر التكاليف الشرعية؛ والإمام أبوحنيفة النعمان أجاز للمرأة أن تتولى القضاء، فيما يجوز لها أيضاً أن تشهد فيه، كما ذهب الإمام ابن جرير الطبرى إلى جواز أن تتولى المرأة القضاء على الإطلاق، وهو رأى ابن حزم، وابن القاسم من المالكية، ومن ثم فإذا تولت القضاء تولت أيضاً سائر المناصب القيادية.
لفت «عاشور» إلى أن دار الإفتاء كانت حريصة على التعريف بحقوق المرأة وإصدار الفتاوى التى تعمل على تمكينها من حقوقها التى أباحها الله لها، وكان نتاج ذلك إصدار عدة فتاوى تحرم حرمانها من الميراث، وإيذاءها بدنياً أو نفسياً، وحرمت ختان الإناث وزواج القاصرات.
"نصير": للمرأة أن تسافر للعمل أو الدراسة فى صحبة آمنة دون محرم
بدورها، قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر لـ«الوطن»، إن المؤسسات الدينية تؤكد تمكين المرأة من حقوقها العلمية والعملية، وتجيز للمرأة السفر للعمل أو الدراسة فى صحبة آمنة دون محرم، وأجازت لها تولى المناصب القيادية فى الدول مثل رئاسة الدولة والقضاء وغيرهما من المناصب. وانتقدت «نصير» رؤى السلفية حول المرأة مؤكدة أن المرأة ليست ناقصة، فهذا إهانة للدين قبل أن يكون للمرأة، فكيف تكون النساء أنقص فى الدين من الرجال، وكانت زوجات الرسول الكريم معلمات للمسلمين، كذلك سيدة نساء العالمين السيدة مريم بنت عمران، والسيدة آسيا، كلهن يعجز أغلب الرجال أن يقتربوا من درجتهن فى العبادة والدين، ولا أن ينالوا منزلتهن عند الله.