«كفر الدوار».. غزت العالم مع «ناصر والسادات» وانهارت فى عهد «مبارك»
مبانيها العريقة ما زالت شاهدة على تاريخها فى مجال صناعة الغزل والنسيج، وساعتها القديمة رمز الشركة تتحدى الزمن وتنظم ورديات العمل التى لا يحضرها إلا 1500 عامل فقط، فناؤها الرئيسى تتوقف به أوتوبيسات متهالكة انتهى عمرها الافتراضى مثل الماكينات التى تقبع بداخل مصانع الغزل والنسيج.[FirstQuote]
أنشئت شركة مصر للغزل والنسيج الرفيع بكفر الدوار عام 1938، بتمويل من بنك مصر وبإشراف طلعت حرب باشا رائد الاقتصاد المصرى، على مساحة 400 فدان من الأراضى «البور» شرق مدينة كفر الدوار.
حسين غانم، عضو مجلس إدارة شركة كفر الدوار، يقول إن «الأزمة بدأت فى منتصف التسعينات، وبدأت تتفاقم مع بداية الألفية الجديدة»، وأضاف: «غزل كفر الدوار تحصل على 14 مليون جنيه شهرياً من الشركة القابضة للغزل والنسيج لسداد رواتب العاملين، وعرضنا مشكلات الشركة بالكامل، وقدمنا قائمة كبيرة بمتطلبات الشركة إلى وزارة الاستثمار، التى شكلت لجاناً لم تقدم أو تؤخر، ولا بد أن تضخ الدولة استثمارات جديدة فى قطاع الغزل والنسيج لإنقاذه من عثرته ورفع الديون التاريخية». وتابع: «شركة كفر الدوار فى أمس الحاجة إلى تطوير المعدات، والتوسع فى زراعة القطن قصير التيلة، لأن طويل التيلة سعره مرتفع جداً، وهو ما يضطرنا إلى شراء القطن اليونانى والسورى وكلها رديئة جداً لا تقدم فى النهاية منتجاً جيداً يستطيع المنافسة، الشركة الآن مدينة بمليارى جنيه للدولة، و4 مليارات جنيه للشركة القابضة للغزل والنسيج، إضافة إلى ديون أخرى لشركتى الكهرباء والمياه وشركات التأمينات بسبب عدم قدرة الشركة على دفع المستحقات، ما دفع تلك الشركات إلى اللجوء للقضاء للحصول على حقها، وهددت شركة الكهرباء بقطع التيار عن الشركة لولا تدخل بعض القيادات العمالية والاتفاق على تقسيط قيمة المبلغ المطلوب».
وأضاف: «خسائر الشركة الشهرية تصل إلى 40 مليون جنيه بسبب ضعف الإنتاج الذى لا يغطى المرتبات الشهرية وشراء المواد الخام، كفر الدوار تنتج بـ20 مليون جنيه وتبيع منتجاتها بأقل من 18 مليون جنيه. ويقول شوقى سليمان، مدير إدارى بالشركة، عضو اللجنة النقابية: «تعرضت الشركة لمخطط منظم لإهدار المال العام، عندما بيع 150 فداناً من أراضيها التى تبلغ مساحتها 400 فدان بسعر 277 جنيهاً للمتر، مقسمة على 5 قطع، لبعض المستثمرين عام 2007، على الرغم من أن سعر المتر حالياً يبلغ نحو 10 آلاف جنيه، والبيع حدث تحت إشراف محمود محيى الدين وزير الاستثمار الأسبق، مهندس مشروع التخلص من الشركات الحكومية، وعلى الرغم من نص قانون البيع على البناء خلال 3 سنوات على الأكثر فإن المستثمرين لم يلتزموا بالقانون حتى الآن رغم مرور 7 سنوات»، وأضاف «سليمان»: «أُغلقت بعض مصانع النسيج بكفر الدوار -مصنعا 1 و2- والورش تعمل بربع طاقتها، ولدينا مخزون من الغزل والنسيج يقدر بـ200 مليون جنيه، ورئيس الشركة أراد بيع المتر بـ6 جنيهات مع أن تكلفة إنتاجه 25 جنيهاً».
من جهته، يقول فاروق زين العابدين، وكيل إدارة سابق بالشركة ورئيس الاتحاد الإقليمى للمعاشات: «الشركات كانت تصدر لأكبر دول العالم لكنها الآن فى طريقها إلى الهاوية، كانت الشركة تغزو العالم بالنسيج والغزل المتميز، وكانت تستوعب 25 ألف عامل بخلاف الشركات الأخرى، لكن عدد عمالها الآن لا يتجاوز 8 آلاف عامل بعد إلحاق بعض عمال الشركات الأخرى بعد تصفيتها».
يضيف «زين العابدين»، الذى قضى 38 سنة من عمره بالشركة: «كنا نفتخر بإنتاجنا من الدرجة الأولى، استوردنا آلات جديدة من يوغوسلافيا بسبب رخص سعرها وكان من المفترض استيرادها من فرنسا لكونها من أفضل بلاد الموضة وتصنيع الملابس الجاهزة، ومستوى تشغيل الشركة لا يتعدى 20% من طاقة الشركة العملاقة، لذا يجب فتح ملف شركات قطاع الأعمال العام فى الغزل والنسيج إن أردنا عودة الروح إلى تلك الشركات الخاسرة». يصمت «زين العابدين» قليلاً ثم يعاود حديثه قائلاً: «أقيم فى مساكن الشركة بجوار المصانع والعنابر، قبل 15 سنة كنت أشعر بالوردية التى يبلغ متوسط عدد عمالها 6 آلاف أو 7 آلاف عامل، وكانت صافرة الوردية تدوى فى المنطقة فى إشارة لبدء العمل وكأن لسان حالها يقول حى على العمل، أشعر بألم وحسرة، أحن إلى الماضى الجميل اللى كان فيه شغل كثير.
شعبان البغدادى، رئيس اللجنة النقابية بشركة كفر الدوار، يقول: شركة كفر الدوار بها مشكلة كبيرة وهى أنه لا يوجد رأسمال عام كبير يغطى الإنتاج ورواتب العمال، نحتاج فقط إلى 250 مليون جنيه دفعة واحدة لشراء آلات جديدة وقطن وبوليستر، ولا بد أن يتزامن ذلك مع منع الإعفاء الجمركى الذى يحصل عليه رجال النظام السابق»، وأضاف: «المصانع التركية ستدمر صناعة الغزل والنسيج فى مصر لأنها تحصل على إعفاءات جمركية وحوافز تصدير، على الرغم من أنها لا تستخدم الأقمشة المصرية فى صناعة الملابس الجاهزة فى مخالفة صريحة للقوانين التى تنظم عملها، ما يؤثر على المنتج المحلى، لا يمكننا المنافسة، تستغل المصانع التركية أيضاً ضعف رواتب العمال فى مصر مقارنة بالرواتب فى تركيا، كما لا تقوم بالتأمين على العمال، لذلك هم معرضون للطرد فى أى وقت، أثناء زيارة مندوب التأمينات للمصنع التركى بكفر الدوار يقوم مدير المصنع بتهريب العمال حتى انتهاء وقت الزيارة».