في عيد العمال .. "خميس والبقري" أول شهيدين لنضال الكادحين بعد ثورة يوليو
بعد 26 يوما من قيام ثورة يوليو 1952 جلسا القرفصاء، وتتوسل عيونهم لدبابات "الحركة المباركة للجيش" ولعساكر "الثورة البيضاء" ورُتب "رواد الخلاص من الحكم الملكي"، لا يعنيهم أن يكونا أول شهدين للنضال العمالي بعد انتهاء عهد الاستبداد الملكي، فصاحبا الـ18 والـ19 عاما لا يفكران غير في أبويهما وأطفال شغفا لتأمل إخضرار أعواد لا تستطع حملهم.
تظاهر مصطفى خميس (18 سنة)، والخفير محمد حسن البقري (19 سنة ونصف) ومعهم المئات من عمال مصانع كفر الدوار للغزل والنسيج، في الساعة التاسعة وأربعين دقيقة، مساء يوم الثلاثاء 12 أغسطس 1952، ضد إدارة الشركة، محتمين في "الضباط الأحرار" الرافضين لسياسة العهد البائد، وتعالت الهتافات بسقوط المدير والسكرتير العام ورئيس مكتب العمل، مطالبين بإخراج مقر النقابة لخارج المصانع، وزيادة الأجور، وتقديم منحة سنوية للعمال أسوة بالموظفين.
تتابعت الأحداث بتدخل طرف ثالث لم يُكشف عنه حتى الآن، في يوم 13 أغسطس من نفس العام، رجح أحد شهود العيان على الواقعة، في تصريحات صحفية، بأن بعض الخفراء من عملاء الإدارة أشعلوا النيران في مكاتب من الشركة، لكن العمال تجمعوا لحماية العنابر، وحاولوا إطفاء الحريق المشتعل في المكاتب، فأطلق رجال أمن الشركة عليهم النار، ولم تتحرك سيارات مطافئ الشركة، وازدادت النار اشتعالا، وتشكلت لجان عمالية لحماية الآلات، حتى جاءت قوات الجيش، والتي رسمت خطا أبيض للعمال متوعدة من يتخطاه، فرفض "خميس" الانصياع وقُبض عليه، وأطلق الطرف الثالث النيران على جنود الجيش حتى أودى بحياة أحدهم، فتم القبض على 500 عامل، من بينهم أطفال تبلغ أعمارهم 9 سنوات، كما قالت الكاتبة صافيناز كاظم في إحدى مقالاتها.
وتابعت الكاتبة صافيناز كاظم بأنه تم تشكيل محكمة عسكرية على وجه السرعة لمحاكمة "العصاة"، مكونة من البكباشي عبدالمنعم أمين، واليوزباشى جمال القاضي، والصاغ محمد بدوي الخولي، والصاغ أحمد وحيد الدين حلمي، والصاغ خليل حسن خليل، والبكباشي محمد عبدالعظيم شحاتة، وقائد أسراب حسن إبرهيم السيد، واليوزباشى فتح الله رفعت، وممثل الاتهام الصاغ عبده عبدالمنعم مراد، الذي نشرت له الصحف صورته، وهو يصلّي، وتم تقديم ما يربو على 60 متهما للمحاكمة على رأسهم محمد مصطفى خميس (18 سنة)، والخفير محمد حسن البقرى (19 سنة ونصف)، وفى أقل من أسبوع، من 12 أغسطس إلى 17 أغسطس 1952، صدرت الأحكام المروّعة بإعدام خميس والبقري، والأشغال الشاقة المؤبدة، وسنوات سجن أخرى لبقية المتهمين، وتم الإفراج عن بعض الأطفال، وأنهت المحكمة، التي عقدت في ساحة عامة في "كفر الدوار"، وبحضور حشود من عمال الشركة.
رفرفت أعلام الموت فوق سجن الحضرة بالإسكندرية في صباح الأحد 7 سبتمبر 1952 الموافق 17 ذو الحجة 1371، ونُفذَّ حكم الإعدام في أول ضحايا النضال العمالي بعد ثورة المنحازين للطبقة الكادحة، ورافضي الاستبداد، وتبعتهم عناوين الصحف: "محاكمة الخونة في أحداث كفر الدوار"، "المدعي يوجه تهمة القتل العمد، ومهاجمة قوات الجيش للمتهم الأول"، ويطلب تشديد العقوبة لوقوع الجريمة في عهد يقو م على الإصلاح والتطهير.
وأحيا المخرج محمد كامل القليوبي ملف نضال العمال من خلال فيلمه الوثائقي باسم "اسمي مصطفى خميس"، في مدة لا تتعدى 101 دقيقة تعرض للحادثة كاملة، و عرضته جمعية نقاد السينما المصريين العام الماضي.