د. أحمد درويش: «مرسى» تراجع عن تكليفى بالحكومة لأننى «أجادل».. ولا نملك إمكانات إنهاء الفوضى قبل 2020
فى عام 2007، عندما كان وزيراً للتنمية الإدارية، لخَّص الدكتور أحمد درويش معضلة الفساد فى الجهاز الإدارى للدولة بمقولته الشهيرة: «أزمة الفساد تكمن فى تلاقى رغبة الموظف المرتشى مع المواطن الراشى»، لكن قناعته تلك بالمسئولية المشتركة بين المواطنين ومؤسسات الدولة بشأن انتشار الفساد لم تمنعه من إعداد تقرير وقتها عن الفساد من خلال لجنة الشفافية والنزاهة التى أنشأها واختار غالبية أعضائها بعيداً عن الحكومة من المعارضين والسياسيين والصحفيين، وهو التقرير الذى أثار غضب المسئولين وكان سبباً فى توتر العلاقة بينه وبين حسنى مبارك، الرئيس الأسبق، الذى رفض نشر مثل هذه التقارير، خصوصاً من وزير فى الحكومة. وفى حواره مع «الوطن»، يتحدث «درويش» عن وجهة نظره فيما جرى ويجرى حالياً على الساحة السياسية، ويكشف أسرار ترشحه لرئاسة الحكومة قبل هشام قنديل فى عهد «مرسى»، وقبل حازم الببلاوى بعد ثورة 30 يونيو، كما يتحدث عن رؤيته لمستقبل الأوضاع الاقتصادية.. وإلى نص الحوار..
■ كيف ترى المشهد السياسى والاقتصادى فى مصر؟
- المشهد الحالى غير مستغرَب، وقد يعتقد البعض أننى أقول ذلك بعد انكشاف الأمور، والحقيقة أننى فى مارس 2011، أى بعد تنحى مبارك فى 11 فبراير، تلقيت سؤالاً من أحد الأشخاص، كان مفاده: «بما أنك متفائل دائماً، ما رؤيتك لما يحدث؟»، فقلت له: إن عام 2020 سيكون «زى الفل». فاندهش للغاية من إجابتى؛ ففى تلك الفترة كان الناس يمتلكون أملاً كبيراً. رؤيتى أتت بعد خروجى من الوزارة؛ حيث قضيت شهراً كنوع من الاسترخاء ولم أعد لعملى فى المكتب الاستشارى الخاص بى.. خلال هذه الفترة بدأت أنظر إلى تجارب الدول التى قامت فيها ثورات، وبدأت أحلل وأقرأ.. نظرت إلى البرتغال، وهى دولة فى غرب أوروبا، وتقابلت مع رئيس جمهوريتها السابق، وإلى تشيلى وإندونيسيا، وتقابلت مع رئيسى هاتين الدولتين ونظرت إلى بولندا وتقابلت مع أول وزير داخلية لها بعد الثورة، وأيضا الفلبين وجنوب أفريقيا ورومانيا.. هذه الدول بعضها حالتها الاقتصادية ليست أعلى من مصر، ووجدت أنه عندما تقوم الثورة تمر الدولة بحالة من عدم الاستقرار والفوضى فى بعض الأحيان، تستمر فترة تتراوح بين 4 و8 سنوات، فنظرت إلى الحالة المصرية ووجدت أنه قد لا يكون لدينا المكون الذى يجعلنا ننهيها بسرعة فى أقل من 4 سنوات، خاصة أننى عندما نظرت إلى المجتمع المصرى لم أجده متفقاً اتفاقاً تاماً، بمعنى أن الدول التى قامت فيها ثورات كان يوجد فيها توجه سياسى عام يجمع المجتمع كله، أما فى مصر فكان هناك توجه سياسى يجمعنا، وهو أننا غير راضين عن النظام السياسى الموجود، لكن لم يوجد توجه عام يجمعنا على النظام السياسى الذى نرغب فى الانتقال إليه، وهذا سبب فى إطالة هذه الفترة. [FirstQuote]
عموماً، أنا غير قلق بشأن ما يحدث؛ لأن معظم الدول مرت بهذا، ونكون «شاطرين» لو خلصنا هذه الفترة بشكل أسرع.. بعض الدول كانت الخناقة الداخلية لديها لم تؤثر على الاقتصاد بعكس ما حدث فى مصر، أى أن هذه الدول التى كان لديها اقتصاد قوى قررت بعد الثورة ألا تغير توجهها الاقتصادى؛ فهى كانت تبحث عن حريات وديمقراطيات وطريقة أخرى للحكم، ما جعل اقتصادهم يعينهم فى فترة عدم الاستقرار.. مشكلتنا أن هذا أثَّر علينا. وسأشرح الأمر بطريقة هندسية؛ لأننى مهندس: أى دولة فيها مجموعة من المواتير.. فى مصر كان لدينا موتور اسمه «موتور الاقتصاد» كان يلف بشكل جيد جداً، وكان يحقق معدل نمو ممتازاً، وكان يجذب استثمارات خارجية وموجهاً على الطريق الصحيح، وكان هناك موتور آخر مهم جداً هو الخاص بالحريات والديمقراطيات والمناخ السياسى، هذا الموتور كان متوقفاً تماماً، وموتور ثالث، وهو الخاص بشبكات الأمان الاجتماعى والعدالة الاجتماعية، هذا الموتور كان ضعيفاً يلف ببطء شديد.
■ ذكرت أن الاقتصاد فى عهد «مبارك» كان بحالة جيدة جداً.. كيف ذلك وهناك قطاع كبير من الشعب يعانى الفقر والبطالة وأول هتافات ثورة يناير كان «العيش»؟
- هناك فرق كبير جداً بين الاقتصاد والنمو وبين توزيع عوائد النمو، مثلما قلت: موتور الاقتصاد هو الذى سيشد المواتير التى تليه، ومن ثم موتور العدالة الاجتماعية. عندما ينمو الاقتصاد تنشأ فرص، هذه الفرص أول من يقتنصها هو الشخص الذى لديه مهارة لاقتناصها، والمستثمر دائماً يستسهل، ومن ثم سيحاول أن يقتنص أشخاصاً من مكان جيد مقابل أجر أعلى بدلاً من استقطاب شباب لتعليمهم وتدريبهم حتى يعملوا معه. هذه الشركة التى افتتحت تعتبر أسهمت فى الاقتصاد لأنها تدفع أجوراً أعلى، لكن لا توجد عوائد على المجتمع لأنها لم تشغل أناساً جدداً، بل أخذت أشخاصاً كانوا يعملون بالأساس. الوضع الطبيعى للأمور أنه لو ظل الاقتصاد ينمو ويجتذب فرصاً سيأتى مستثمرون أكثر، ومن ثم لاحقاً سيبدأون اختيار الناس الأقل مهارة ويدربونهم لأنهم سيجدون صعوبة فى إيجاد أشخاص لديهم المهارات؛ لأنهم يعملون بالفعل بأجور عالية؛ فالخطأ الذى وقعت فيه حكومة ما قبل الثورة أنها ظنت أن الفترة الزمنية المطلوبة ليجر الاقتصاد بقية المجتمع لن تطول و«جاى جاى»، و«هو فى حقيقة الأمر كان جاى، لكن السؤال: كان هييجى بعد أد إيه؟ الحقيقة كان مطلوباً فى المرحلة الانتقالية لحين وصول عوائد النمو الاقتصادى إلى فئات المجتمع مجموعة من البرامج تحسس الناس أننا لم ننسكم»، ويمكن تصنيفها إلى نوعين من البرامج: برامج لطمأنة الطبقة الوسطى وبرامج شبكات الأمان الاجتماعى.. يقسم الناس فى هذه الشبكات إلى فئات مثل فئة فقراء جداً، هذه الفئة لن أكتفى بإعطائها «التموين» حتى تشترى الأرز أرخص بل سأعالجه وسأعطيه نقداً.. وهناك آخرون نحن مسئولون عن علاجهم ورعاية أولادهم رعاية تعليمية، لأنهم عندما يتخرجون سينفقون على أسرهم، وبالتالى ستخرج هذه الأسرة من الشبكة وستكون فى حال أفضل.. شبكات الأمان الاجتماعى موضوع مهم وتجب معالجته بشكل علمى بناء على البعد الاجتماعى.
■ هل معنى كلامك أن الثورة أثرت بشكل سلبى على الاقتصاد؟
- اتفقنا أنه عند تغيير النظام يحدث نوع من «اللخبطة»، لكن أرى أن الثورة أثرت على اقتصادنا أكثر من تأثير الثورات فى الدول الأخرى على اقتصادها.
■ لماذا أثرت الثورة المصرية على الاقتصاد بعكس دول أخرى قامت فيها ثورات مثل بولندا وجنوب أفريقيا؟[SecondImage]
- لأننى أعتقد أن متخذ القرار فى هذا الوقت ما بعد الثورة قرر عمل عمليات ترضية واسعة، وهو لا يملك المال الكافى لها، وقرر ألا يصارح الشعب.. وبالمناسبة أريد أن أقول: إننا لدينا مشكلة كبرى فى فكرة مصارحة الشعب بحقيقة الأوضاع، وأنا كنت داخل المطبخ وحضرت هذا النوع من الجدل. كان هناك جدل يدور بين فئتين من الناس، فئة ترى أنه يجب أن نخرج بشفافية تامة ونقول للناس: هذه هى حالتنا، بغض النظر عن كيف وصلنا إليها ومن هو المتسبب، وهذه قضية تؤخذ على جنب، حتى إنه فى يوم تاريخى قررنا محاكمة المتسبب فى ذلك بسبب قراراته، فإن هذا لن يرجع عقارب الساعة للوراء.. لكن لا بد أن يعرف الناس دخلنا كام وبننفق كام ومن ثم بنقترض كام (وهو الفرق بين الدخل والإنفاق)، ومن سيسدد هذا القرض، هذه المصارحة أمامها فريق آخر يقول: إن هذه المصارحة قد تسبب حالة من الهلع فى المجتمع عندما يعلمون أن مصر مدينة بهذا الشكل، ما قد يجعل البعض يسحب أمواله من البنوك أو يحولها لعملات أخرى خوفاً من عدم استقرار الجنيه المصرى، هذه المجموعة تقول: «دعونا نُعطِ الناس الأمل ولا نصارحهم بحقيقة الوضع». القائمون على الأمر، مجلس الوزراء والمجلس العسكرى فى هذه الفترة، اتخذوا قراراً بناء على أن الشعب عانى فترة كبيرة جداً فقالوا: دعونا نصالحه ونعطِه الأمل بدلاً من مصارحته، فقرروا المصالحة وعدم المصارحة، وهذه القرارات كانت مكلفة وأثرت على الاقتصاد.
■ هل تعتقد أن حكومة هشام قنديل فى عهد محمد مرسى انتهجت نفس نهج المجلس العسكرى؟
- نفس الأمر بالنسبة لحكومة الإخوان فى عهد الدكتور محمد مرسى، يعنى أنا استغربت جداً حين سمعت دكتور مرسى فى إحدى خطبه عندما تحدث عن الدين الخارجى وقال إن جمال عبدالناصر تسلم هذه الدولة دائنة للغير!! مصر سنة 1952 كانت دولة دائنة و«عبدالناصر» سلمها مديونة فأخذها «السادات» ورفع الدين من كذا إلى كذا ثم أخذها حسنى مبارك ورفع الدين من كذا إلى كذا.. أود أن أقول معلومة: إن دكتور محمد مرسى تسلم هذه الدولة مدينة بما بين 33 و34 مليار دولار، سلمها مدينة بـ44 مليار دولار، أى أن دكتور مرسى فى سنة واحدة فقط اقترض حوالى 9 مليارات دولار، أى ما يقرب من ثلث دين مصر من عهد «عبدالناصر» حتى عهد «مبارك».. أما فى عهد المجلس العسكرى فكانوا حريصين على عدم الاقتراض الخارجى ولم يرتفع الدين الخارجى ولا دولار، لكن طبعاً الدين الداخلى زاد لأن إنفاقنا أعلى من دخلنا، وهذا أكيد مقلق بدرجة أقل.
■ ما الحل الأمثل من وجهة نظرك.. علماً بأن هذا الشعب عانى أسوأ أنواع الظلم؟
- أعلم جيداً أن هذا الشعب مطحون لا خلاف على ذلك، لكن يجب أن نجلس بمشاركة اجتماعية ونقول الحقيقة للناس بأننا مدينون، ودخلنا فى المنطقة الحمراء.. بمعنى أن الدين تقدر خطورته بقدرتك على السداد.. نحن نقيم الدين بالناتج القومى الإجمالى.. اسمحى لى أن أشبهها للقارئ بإشارة المرور، لو كان الدين أقل من 70% من إجمالى الناتج القومى إذن نحن فى المنطقة الخضراء، أى لدينا قدرة على السداد، أما إذا كان الدين من 70% إلى 100% فنحن فى المنطقة الصفراء أى احترس، أما إذا زاد الدين على 100% من إجمالى الناتج القومى فنحن فى المنطقة الحمراء، ولو زاد على 130% فنحن انتقلنا إلى رحمة الله، بمعنى أنه ستتخذ إجراءات فى منتهى القسوة.[SecondQuote]
■ مصر فى أى منطقة من هذه المناطق؟
- دين مصر حالياً يزيد على إجمالى الناتج القومى بنسبة 103%، أى دخلنا المنطقة الحمراء.. الحقيقة أنه فى بعض الأحيان يحدث نوع لا أريد أن أقول تلاعباً فى الأرقام، لكنهم يرفعون من إجمالى الناتج القومى ليكون إجمالى الديّن العام بنسبة 96%، لكى نبدو بمظهر مطمئن، نعم أنا معك أن الشعب مطحون ومن ثم المطلوب عندما نقول إننا سنتخذ خطوات إصلاحية لحين ضبط هذا الاقتصاد أن نقدم حزمة واضحة من شبكات الأمان الاجتماعى لحماية المواطن الغلبان، ولا أفاجئ المجتمع برفع الأسعار ولكن نتفق كيف ستوزع الفاتورة؟ من سيدفع فاتورته (الغنى القادر)؟ ومن ستدفع الدولة أجزاء من فاتورته؟ ومن ستدفع الدولة فاتورته بالكامل؟ وأتحدث هنا عن الفاتورة المباشرة وغير المباشرة، بمعنى أن بعض الإجراءات على سلعة أو خدمة تؤثر على سلعة أخرى، ومن ثم يجب أن نراعى ذلك أيضاً للفئات المختلفة.
■ فى رأيك.. كيف ستخرج مصر من كبوتها الاقتصادية فى الوقت الراهن؟
- هناك مناخ يستدعى أن يكون القائم على اتخاذ القرار شخصاً غير شعبوى، بمعنى أنه مستعد لتحمل الهجوم حتى يشرح وجهة نظره للناس، وألا يكون خائفاً من شرحها، ومن ثم يبدأ الناس فى الالتفاف حوله، وتقول هذا الرجل عقلانى منطقى دعونا نلتف حوله.. هذا الملف نسميه ملف الدعم والمزايا الاجتماعية.. وليست مصادفة أن عجز الموازنة فى نفس حجم هذا الملف بالضبط.. العجز هو الفرق بين الدخل والإنفاق.. هذا الشخص سيقول للناس إن العالم كله يقسم المجتمع إلى 5 طبقات.. طبقة فقيرة جداً وطبقة فقيرة وطبقة متوسطة دنيا وطبقة متوسطة عليا وطبقة مستريحة تعلوها شريحة صغيرة من الأثرياء، كمجتمع سنتفق مع بعضنا البعض أن توزيع عوائد الاقتصاد سيتم بطريقة أخرى، وأن شبكات الأمان الاجتماعى ستتعامل مع المجتمع، مع كل طبقة من هذه الطبقات بشكل مختلف، لأن الطبقة الفقيرة جداً لا يكفيها أن أعطيها بعض كيلوات من الأرز بسعر أرخص إلى حد ما، أود أن أوضح عندما كنت أتولى وزارة التنمية الإدارية عملت قاعدة بيانات للأسرة، اليوم الذى يجافينى النوم فيه هو اليوم الذى كنت أعمل فيه مع وزارة التضامن الاجتماعى، كنت أرى مثلاً أرملة أمية لا تقرأ ولا تكتب، فرصها فى العمل ضئيلة وتعول 3 أطفال، هذه السيدة كنا نعطيها 150 جنيهاً و40 جنيهاً عن كل طفل، أى إجمالى ما تأخذه 270 جنيهاً، فى حين هى فى حاجة إلى أضعاف ذلك شهرياً.. هنا لا بد أن أصارح المجتمع أن هذه السيدة لا يكفيها هذا المبلغ وأنها فى حاجة إلى 1000 جنيه، هنا لا بد أن ندبر لها الفرق ولا يوجد مورد آخر حتى يمكننى أن أعطيها الفرق.. هنا تكمن فكرة الشفافية والمصارحة والإصلاح.. هنا فكرة المشاركة والحوكمة.. هنا سأبدأ النظر إلى فاتورة الدعم وأقول ألا أرفع الأسعار بل أعيد توزيعها، لأن دعم الطاقة على سبيل المثال يستفيد منه الغنى أكثر من الفقير، لأنه يمتلك أجهزة كهربية أكثر من الفقير، وفى نفس الوقت أبيع له الكهرباء بنفس السعر الذى يشترى به الفقير، فهنا يوجد ظلم للفقير.
■ ألا توجد صعوبة فى هذه الحالة فى إعادة توزيع الأسعار حسب مستوى الأسرة.. خاصة أن هناك مناطق راقية تقطن بها أسر فقيرة بل وفى نفس العقارات؟
- هذا سؤال جيد، منذ زمن كان صعباً جداً، لأنه يوجد لدينا أكثر من 18 مليون أسرة، ومن الصعوبة أن أرسل باحثاً أو باحثة اجتماعية لزيارة 18 مليون أسرة ويكتب تقارير ويصنفهم حسب تصنيفات الطبقات التى ذكرناها.. لذلك اليوم التكنولوجيا سمحت لى أن أفعل هذا دون زيارتهم.. نحن عملنا قاعدة بيانات للأسرة، هنا أبدأ ربط هذه القاعدة بقاعدة بيانات الكهرباء، وأيضاً أربط قاعدة بيانات الأسرة بقاعدة بيانات مالكى السيارات وفاتورة التليفون المحمول، وهناك قاعدة بيانات رابعة لو اكتملت ستصبح «كرة فى الجول» وهى قاعدة بيانات الملكية العقارية، أى من يمتلك الشقة؟ ومن المستأجر؟ وأين يسكن؟
وهنا أؤكد قاعدة بيانات الأسرة وليس قاعدة بيانات الأفراد منعاً للتلاعب.. كانت لدينا قاعدة بيانات للرقم القومى، وأفضل إنجاز لنا فى 2006 هو الانتقال إلى قاعدة بيانات الأسرة، هنا أصبحنا نعرف من الأب والأم والأبناء والمتزوج وغير المتزوج، فأصبح اليوم ربط قواعد البيانات ببعضها يسهل علينا أموراً كثيرة.. لذلك حينما يتقدم لى مواطن يقول إنه مستحق للدعم أقول له تأذن لى أن أطلع على فاتورة الكهرباء والتليفون المحمول الخاص بك، وهنا على حسب قيمة الفواتير سأبدأ فى عمل حاجة اسمها التصنيف الأولى، وبناء على هذا التصنيف سأحدد من يستحق الدعم ومن يستحق إعادة توزيع الأسعار، فمن يمتلك أكثر من سيارة سأبيع له البنزين بسعر أعلى ممن لديه سيارة واحدة، ونفس الأمر بالنسبة للطاقة عموماً، أنا لا أريد أن أقول تفاصيل دقيقة للحل، إنما أريد أن أقول إن هذه مشكلة من المشكلات التى يجب حلها، عجز الموازنة فى 2011 عندما قامت الثورة كان 6.9% من قيمة الناتج القومى الإجمالى.. عجز الموازنة فى نهاية يونيو المقبل من المتوقع أن يكون أكثر من 14%، أى تضاعف مرتين، وهذه مسألة خطيرة.[ThirdQuote]
■ دعنا نرجع للوراء وتحديداً 2012.. هل بالفعل عُرض عليك تولى منصب رئاسة الوزراء قبل هشام قنديل؟
- لا لم يعرض المنصب علىَّ، ولكن أعتقد أننى كنت مرشحاً له، وكان هناك أكثر من مرشح فى إطار محاولة الوفاء بوعد د. مرسى أثناء الانتخابات، بأنه لن يأتى برئيس وزراء إخوانى، وتمت أكثر من مقابلة معى من قبل جماعة الإخوان لمعرفة وجهة نظرى واستطلاع رأيى وأخذ مشورتى فى بعض الأمور الاقتصادية، وخلال هذه المقابلات استشعرت وعلمت أنها مقابلات لتكوين فكرة عن مدى صلاحيتى لهذا المنصب، ثم علمت من 2 من قيادات الإخوان أنه جرى مناقشة ترشيحى لهذا المنصب داخل الأروقة، وكان هناك أكثر من مرشح، 4 أو 5 غيرى.
■ هل كان أحد من هؤلاء المرشحين من نظام مبارك غيرك؟
- كان هناك بالفعل.. ولكن قضية الانتماء لنظام مبارك قضية نسبية، ودعونا نتفق أن نظام مبارك لم يكن جميعه فاسداً، وأرفض التعميم.. أعود إلى ترشحى لمنصب رئيس الوزراء، كان هناك أكثر من مرشح، حتى إنهم عندما جلسوا معى رشحت لهم شخصاً لمنصب رئيس وزراء، ولا أريد ذكر اسمه، وكان هناك استغراب كيف أننى مرشح لنفس المنصب وأرشح آخر، وأيضاً دهشوا عندما قلت إننى على أتم استعداد أن أعمل معه كنائب لرئيس الوزراء حال اختيار هذا الشخص لثقتى فى مقدرته على إدارة الشأن الاقتصادى.. وكان هناك أيضاً شخص ضمن المرشحين، شخصية جيدة جداً شخص اقتصادى بخلفية بنكية.
■ كيف يرشحونك وغيرك من الاقتصاديين.. ثم ينتهى الأمر باختيار هشام قنديل الذى كان يعمل مدير مكتب وزير الرى؟
- دعينى أخبرك بما قاله لى أحد قيادات مكتب الإرشاد، قال إن محمد مرسى كان أكثر ارتياحاً لترشيح هشام قنديل منه إلى ترشيحى، إنه عندما سافر معه إلى إثيوبيا حدث نوع من أنواع التوافق، وأن أهم نقطة أُخذت على ترشيحى كما علمت من أحد قيادات الإخوان أننى سأجادل من أجل وجهة نظرى، وأننى لست سلس القيادة.. أى أننى سأجادل ولست هذا الشخص الذى يقال له يمين أو شمال فيقول «آمين».. فكانوا بالأغلبية قلقين منى، لأنهم فى هذه المرحلة كانوا فى حاجة إلى رئيس وزراء أيسر فى التعامل، ولا يجادل من أجل وجهة نظره.
■ كيف استمررت فى عملك كوزير للتنمية الإدارية من 2004 إلى 2011 وكانت تقدم تقارير فساد طالت بعض الوزراء والمؤسسات.. ما أثار غضب واستياء كثيرين بمن فيهم حسنى مبارك آنذاك؟
- أنا من المهتمين جداً بما يعرف بقضية الحوكمة.. الحوكمة هى القواعد والإجراءات التى تتبع لإدارة مكان ما.. عندما دخلت فى التنمية الإدارية كانت لدىَّ حقيبتان، الحقيبة الأولى هى حقيبة الخدمات وإدارة موارد الدولة التى كانت معروفة بالحكومة الإلكترونية، التى تقدم خدمات أفضل للمواطن وإدارة موارد الدولة بشكل أفضل، وكانت هناك حقيبة أخرى هى تطوير الجهاز الإدارى الذى يشمل الموارد البشرية، عندما نظرت إلى مجلس الوزراء والحقائب الموجودة اكتشفت أنه لا يوجد وزير معنى بحقيبة الشفافية والنزاهة وطرق الحوكمة والإدارة.. فقررت أخذ هذه الحقيبة طالما لا توجد عند أحد، فهذا يعتبر نقصاً فى الحكومة ولا يجب على أى شخص ينتمى للحكومة أن يجد فيها نقصاً ويجلس صامتاً.. وقررت أن أعمل فى هذا الموضوع، وشكلت لجنة الشفافية والنزاهة، وبدأ العالم كله ينتبه لما يحدث فى مصر، وحصلنا على عضوية لجنة الشفافية وإدارة المرافق فى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادى فى فرنسا، وتمت استضافتى لأجتمع بمجلس هذه المنظمة، وكنت أول وزير من خارج الدول الأعضاء يجتمع بمجلس المنظمة منذ 8 سنوات، وكان حدثاً بالنسبة لهم أن يكون وزير من دولة غير عضو فى المنظمة فى اجتماع مغلق لمناقشتى فى وجهات نظرى.. وفى ديسمبر 2010 كنت المدعو الوحيد من خارج المنظمة فى المؤتمر العام الخاص بهم، وفى الجلسة الافتتاحية قال سكرتير عام المنظمة «يسعدنا أن يكون معنا اليوم الدكتور أحمد درويش الشخص الأول فى الإصلاح الذى يدور فى الشرق الأوسط»، واختارتنى سنغافورة عام 2007 الشخصية الأولى المؤثرة فى الشرق الأوسط.
وقضية نغضب أو لا نغضب ثقافة سنأتى ونعمل عليها، وهناك فرق بين أن أؤدى عملى والقانون فى الأساس صحيح أو خاطئ، مثلاً القانون فى مصر يقول إن الجهاز المركزى للمحاسبات يقدم تقاريره لرئيس الجمهورية ورئيس البرلمان فقط، وعندما يأتى شخص يريد نسخة لمعرفة الأخطاء التى تحدث فى الحكومة وفى الإنفاق يرفضون منحها له، وعندما أقول إن هذا خطأ يجب ألا يغضب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات لأنه ينفذ القانون، فأنا لا أعيب على الجهاز أنه لا ينشر تقاريره، بل أعيب على القانون الذى يجب تعديله.[ThirdImage]
ونأتى لخلاف وجهات النظر مع الرئيس مبارك، الحقيقة هى أنه اتصل بى تليفونياً أكثر من مرة، وفى إحدى المرات كانت وجهة نظره أنه ليس معترضاً على عمل التقارير والدراسات واكتشاف مواطن الخلل ومواطن الفساد.. إنما كان له رأى أنه عند عمل هذه التقارير وكشف مواطن الفساد والخلل نستعملها لنرى كيفية الإصلاح ولا ننشرها، لأن النشر يسبب «بلبلة»، هذه الجملة قالها لى نصاً.
■ هناك اتهام يوجه لك بأنك إخوانى الهوى، ما تعليقك؟
- لا أعرف ما مصدر هذا الاتهام، لكن أذكر أن زميلة صحفية فى إحدى المجلات قالت لى: «يا دكتور، انت ملخبطنا عندما تبدأ أى حديث تقول بسم الله الرحمن الرحيم، وعندما ترد على التليفون تقول السلام عليكم، وعندما تكون فى اجتماع هيطول تنسحب تصلى وتعود مجدداً للاجتماع، ولكننى أعرف أنك تذهب للأوبرا انت وزوجتك»، وبالمناسبة والدتى خريجة المدرسة الأمريكية وهى من عودتنى على ذلك، ومن يرانى فى الأوبرا ويرى ابنتى غير المحجبة سيقول عنى إننى ليبرالى، ومن يرانى أصلى سيقول عنى إننى إخوانى. أنا لا أدرى من أين تأتى هذه الأقاويل، وأعتقد أن جزءاً منها مرتبط بترشيحى لتولى رئاسة الوزراء من قبل الإخوان، لكن سبب ترشيحى هو أنهم كانوا يريدون بعض الأمان للحصول على الأصوات فى انتخابات الرئاسة، عندما قال الدكتور محمد مرسى: أنا سأعين رئيساً للوزراء من خارج الإخوان، ولكن فى النهاية اتخذوا قراراً بتعيين هشام قنديل.
■ هل اجتمعت بـ«مرسى» ومرشحى الرئاسة الآخرين فى 2012؟
-نعم، التقيت بـ«مرسى» كمواطن لتبادل وجهات النظر والآراء، وجلست أيضاً مع الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وعمرو موسى، وحمدين صباحى، وأود أن أذكر أننى عندما جلست مع «مرسى» كنت قلقاً. وأعتقد أن أحد أسباب اختياره الدكتور هشام قنديل هو أننى كنت حاسماً فى بعض الآراء والأمور، وقلت له إنه من المؤكد إنها خطأ، وأعتقد أنه استشعر ذلك، وعندما عُرض عليه الاسم رفض لأننى كنت حاداً فى بعض الآراء.
■ من المرشح الرئاسى الذى انتخبته فى انتخابات الرئاسة فى 2012 بمرحلتيها؟
- فى المرحلة الأولى انتخبت عمرو موسى، والمرحلة الثانية انتخبت محمد مرسى.
■ هل عقدت مقارنة بين البرامج الانتخابية الخاصة بالإخوان والفريق شفيق وبناءً عليها اخترت الإخوان؟
- لم يكن هناك برنامج فى الأساس لا لـ«شفيق» ولا للإخوان.. خلونا ساكتين!
■ هل بالفعل رُشحت لرئاسة الوزراء بعد 30 يونيو قبل تولى دكتور حازم الببلاوى هذا المنصب؟
- بالفعل رُشحت، وأعتقد أنه لم يحدث توافق لأننى ليس لى نشاط سياسى وغير متداخل مع الأحزاب، وكان الرفض من حزبى الدستور والجبهة.
■ لماذا اعتذرت عن وزارة التنمية الإدارية فى حكومة «الببلاوى»؟
- لأننى لم أستشعر أن لديهم النية فى التنفيذ الجاد.
■ ما رأيك فى أداء حكومة المهندس إبراهيم محلب؟ وما أوجه الاختلاف بينها وبين حكومة «الببلاوى»؟
- حكومة «الببلاوى» الشعب لم يرضَ عن أدائها، لأنها قررت أن تسير الأعمال وألا تأخذ قرارات حاسمة، وأعتقد أن حكومة «الببلاوى» كانت تضم كفاءات جيدة فى الوزارة، كما أنه ضم شخصيات ممتازة.
■ ما رأيك فى قضية الفحم، خاصة أنها تلقى رفضاً من قبل الكثيرين كوزيرة البيئة؟
- أعتقد أن الحكومة أخطأت حينما خرجت منها آراء متعارضة وأخطأت فى إدارة القضية بطريقة صحيحة.
■ هل ترى اختلافاً بين أداء حكومة «الببلاوى» و«محلب»؟
- أرى اختلافاً تنفيذياً وليس فى السياسات، بمعنى أن المهندس إبراهيم محلب رجل يغلب عليه الطابع التنفيذى.
■ هل استشارتك حكومة «محلب» فى بعض الأمور الخاصة بالدعم أو الاقتصاد عموماً؟
- الدكتور أشرف العربى يستضيفنى كثيراً، وعاطف حلمى فى الاتصالات، وأنا لا أبخل عليهم بالجهد والمشورة، خاصة أننى مخصص نصف وقتى حالياً للعمل التطوعى من أجل مصر لا آخذ عليه أجراً، سواء فى مراكز الفكر والدراسات أو الجمعيات الأهلية.
وخلينا نعطى القراء أمل.. بصراحة فيه مجموعات من المخلصين المحبين للبلد بيعملوا شغل جميل متطوعين بجهدهم ومالهم فى هدوء ودون ضجيج إعلامى.
■ فى أى القضايا كان «قنديل» يستشيرك؟
- قضايا الدعم، وموضوعات الهيكلة والأجور.
■ هل عرض عليك أى منصب فى حكومة «محلب»؟
- لا.
■ ما رأيك فى التوجه الاقتصادى للمرشح الرئاسى حمدين صباحى؟
- عندما قرأت البرنامج الاقتصادى لـ«حمدين» فى الانتخابات السابقة وجدت بعض الأخطاء، وأتعشم أن يتلافى هذه الأخطاء فى الوقت الحالى، وجدت أخطاء فى بعض الأرقام غير القابلة للتنفيذ.
■ ما تعليقك على دعوة المشير السيسى إلى التقشف من أجل المرور من الأزمة الاقتصادية التى نعانى منها؟
- المشير السيسى رجل مخابرات ورجال المخابرات مبيهزروش، وعندما يتخذون قراراً يكون بناء على دراسة وليس قراراً عاطفياً، أنا أعتقد أن الإعلام فى مصر يأخذ نصف الجملة ويترك النصف الآخر، ياخد اللى على مزاجه ويسيب اللى على مزاجه، أول مرة طُلب منه الترشح قال انتو مستعدين تقسموا رغيف العيش نصين؟ تانى مرة قال انتو مستعدين تصحوا خامسة الصبح؟ هذه رسائل، الوحيد الذى يمكنه قول مثل هذه الجمل والرسائل والناس تقبلها منه هو المشير السيسى، مع هذا الإعلام لم يتلقف هذه الجملة بالشكل الذى يجب أن يكون، هذا هو ما أقصده تجاه المصارحة ثم إن الرجل لم يدعُ للتقشف، الإعلام هو من سماه تقشفاً هو دعا للانضباط هناك فرق، الرجل بدأ بالمصارحة ولو أتى رئيساً للجمهورية وعمل النص التانى وهو المشاركة هيجيب جون.
■ لمن ستعطى صوتك فى انتخابات الرئاسة المقبلة؟
- صوتى للمشير السيسى لأننى لم أعطِ صوتى فى الانتخابات السابقة لـ«حمدين» وليس هناك ما يستدعى تغيير الموقف.
■ هناك أصوات تطالب بالمصالحة مع الإخوان من أجل وقف نزيف العنف، ما رأيك؟
- الفكر لا يجابه إلا بالفكر لا يجابه بالقوانين، نتحدث الآن عن شباب فى الجامعة فى حاجة لاحتضانه حتى يجعله يفكر بشكل آخر، لأن فى النهاية هؤلاء مصريون ولا بد أن نحتضنهم وهذا ليس مفهوم المصالحة بل مفهوم أننا نمد أيدينا لهم ونقترب منهم ونساعدهم، والحل الأمنى ليس حلا كافيا فى مواجهة الإخوان والفكر لا يواجه إلا بالفكر.
■ هل ترى فى ظل توتر العلاقات المصرية الأمريكية أن علاقتنا بروسيا تعد بديلاً قوياً؟
- أرى أن علاقتنا بأمريكا لن تستمر متوترة فترة طويلة على النمط الحالى، الولايات المتحدة ستعيد ضبط علاقتها بمصر مرة أخرى لأنها تفهم أين تكمن مصالحها، وستبحث عن مصالحها فى النهاية ومصالحها مع مصر كثيرة.
تنويه: أجرى هذا الحديث منذ عدة أيام قبل وفاة المستشار محمود عثمان درويش، رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق، والد الدكتور أحمد درويش، والجريدة تتقدم له وللأسرة بخالص العزاء.