1 - من الأيام الدولية التى تحتفل بها منظمة الأمم المتحدة فى شهر يونيو يوم الوالدين، أى يوم لتكريم الأب والأم على دورهما وتقديراً للتضحيات التى يقدمانها فى سبيل أسرتهما، وللمفارقة تزامن ذلك مع حوادث تجرّد فيها الآباء والأمهات من أبسط المشاعر الإنسانية، سواء بإلقاء أبنائهم فى الشارع، مثل الأب الذى كاد أن يلقى ابنته من البلكونة، مدعياً أنه كان يمزح معها، أو الأب الذى قتل ابنته خنقاً بسبب خلافات أسرية عادية، ومؤخراً سيدة الدقهلية التى قتلت أبناءها الثلاثة دون إغفال ما كانت تمر به من ظروف صعبة.
2 - لا تستطيع أن تتعامل مع الإيذاء النفسى الذى تمارسه والدتها تجاهها، رغم تجاوزها الثلاثين، إلا أنها تتعامل معها كأنه ليس لها الحق فى أى قرار حتى لو كان ارتداء الحجاب بطريقة تعجبها، تخبرنى بأنها تكسر ثقتها فى نفسها دوماً، تشككها فى ذاتها، تجعلها تشعر أنها بلا أى قيمة فى الحياة، وكانت النتيجة أنها أصيبت بالاكتئاب الشديد، بل وفكرت فى الانتحار بعد شراء حبوب الغلة التى ما زالت تقبع فى خزانة دولابها تنظر إليها يومياً، خوفاً من أن تصبح الحبل الذى يفصلها عن الحياة.
3 - تنتشر على «فيس بوك» مجموعات للحكى عن إساءات الوالدين ومحاولة التعافى منها، يصل عدد أعضاء بعض هذه المجموعات إلى 12 ألف شخص، حكايات لا تتوقف فقط عند حدود الأذى النفسى، بل أحياناً الأذى الجسدى، وتركز على نصائح للتعامل مع الآباء والأمهات النرجسيين، وكيفية التعامل معهم، وحكايات أبطالها ليسوا صغاراً ما زالوا يعانون من طيش المراهقة، بل بعضهم قارب على الأربعينات وأحياناً الخمسينات، ولم يستطع تجاوز ما حدث معه، لكنه ما زال يبحث عن طريقة للخلاص مما مر به بعلاج نفسى أو البدء من جديد، المشترك فى كل تلك التجارب هو عدم تصديق الأبناء أنهم مروا بهذه التجربة مع أهاليهم الذين من المفترض أن يكونوا المظلة التى تحميهم من آلام الحياة ومآسيها.
4 - يبدو وسيماً وهو يبتسم ويلتف الجميع حوله، يستمعون إلى كلماته بنهم شديد، لطبيعة عمله القائمة على التسويق، ولكن خلف هذا المظهر الجذاب لرجل ثلاثينى، يقبع طفل صغير غاضب مما حدث معه فى طفولته، فلم يكن أبوه يسمح له بالتعبير عن مشاعره أو احتياجاته، بل لا يمنحه صك اتخاذ القرار لنفسه، يخبرنى أن أباه لم يسمح يوماً أن تسلط الأضواء إلا عليه وعلى إنجازاته، هو العارف بكل شىء فى الحياة، ورأيه ومشاعره فقط هى الصواب، بينما الآخرون مخطئون، بل أحياناً لا يوجد أى آخرين فى قاموسه، الهروب الدائم من أبيه وعدم الحديث معه إلا للضرورة القصوى هو ما يفعله، فأبوه لا يكتفى بسرقة طفولته، بل يحاول سرقة شبابه ومستقبله بأن يفرض عليه كل شىء حتى نوع الطعام. تبدو علامات السخرية واضحة على ملامحه عند الحديث عن الزواج، فهو لم يعد يفكر فى الزواج، كل ما يطمح إليه هو توافر المال لشراء مكان صغير يمارس فيه حقه فى الحياة.
5 - لن تتوقف القصص والحكايات، القاسية تارة والمؤلمة تارة أخرى، والتى قد يرفض البعض تصديقها من هول تفاصيلها، مما يفتح الباب أمام تساؤل يخشى البعض طرحه، هل نحن بحاجة فقط إلى تكريم الأب والأم على دورهما الأسرى فى مجتمعنا؟ أم نحن بحاجة إلى كسر ذلك التابوه بأن الآباء والأمهات ليسوا آلهة كما هو العرف السائد فى المجتمع وأن تصرفاتهما مع أبنائهما ليست كلها نابعة من الحب والخوف عليهم، وأنه يمكن مراجعتهما ومناقشتهما. فالآباء والأمهات فى النهاية بشر بداخل كل منهم الخير والشر وقد يرتكبون الأخطاء فى التربية، بل أحياناً تكون الأخطاء قاتلة، تدمر نفسية الابن طوال حياته كما يصف كتاب «أبى الذى أكره» للدكتور عماد رشاد.
والتعميم هنا ليس له محل من الإعراب، فأى إنسان يدين بالفضل لأهله، كما تتحدث الأديان السماوية وعلم النفس والاجتماع. لكن أى أهل تقصدهم الأديان؟ وأى أب وأم وصفتهما تلك العلوم؟! إجابة تلك الأسئلة هى المفتاح الحقيقى والوحيد لخلق أمومة وأبوة خالية من الأذى والعطب، أبوة وأمومة واعية لا تزرع الألم والحسرة فى أطفالها، ولا تخلق وحوشاً كاسرة فى مجتمع صار أحوج ما يكون إلى تعريف جديد لمعنى الأبوة والأمومة.