متاحف مصر.. التاريخ فى مرمى الإرهاب
الهواء البارد يهبّ بشكل متقطع فى السادسة صباحاً فيلفح وجوه الجنود الواقفين أمام مديرية أمن القاهرة، وتتسع حدقاتهم كلما لامسها الهواء البارد، لحظات وتنفجر سيارة واقفة أمام البوابة، ويتحول الجنود إلى أشلاء، ويصيب الانفجار واجهة متحف الفن الإسلامى، فتتحول الواجهة الأنيقة إلى حطام وتبرز الشقوق من بين الزخارف الإسلامية التى تعلو الأبواب والنوافذ المنهارة، هكذا دفعت الأماكن التراثية والثقافية ثمن مقاومة الإرهاب. «الوطن» رصدت الأماكن الأثرية والثقافية التى استهدفتها العمليات الإرهابية الأخيرة.[SecondImage]
أحدث انفجار لعبوة ناسفة وقع فى 3 فبراير الحالى، بممر «بهلر» فى منطقة وسط البلد «القاهرة الخديوية»، وأدى لاستنفار قوات الأمن، فضلاً عن تهشيم واجهات محلين وإحراق محول كهرباء وُضعت بجواره القنبلة. وفى نفس اليوم تم إشعال النار فى ترام الإسكندرية، حيث قام شخصان بإلقاء زجاجات المولوتوف على العربة الأخيرة فى الترام ما أدى إلى إشعال النار به دون خسائر فى الأرواح، ويُعد ترام الإسكندرية أول وسيلة نقل جماعى فى مصر وأفريقيا، حيث تم افتتاحه فى 1860.
وفى يوم 19 يناير انفجرت قنبلة بمنطقة العصافرة التاريخية بالإسكندرية أسفرت عن إصابة طفل، وفى 21 يناير انفجرت قنبلة بشارع جمال عبدالناصر بمنطقة العصافرة أيضاً نتج عنها تحطم واجهات المحلات، وفى يوم 27 يناير نجحت قوات الأمن فى تعطيل قنبلة بدائية زُرعت فى نفس المنطقة.
وفى ذكرى جمعة الغضب، 28 يناير الماضى، بميدان عبدالمنعم رياض وعلى مقربة من المتحف المصرى نجح خبراء المفرقعات فى تفكيك ثلاث عبوات ناسفة وسط كردون أمنى شديد ووسط تهليل الأهالى. وفى العريش تمكن الإرهابيون فى 30 يناير الماضى من تفجير متحف العريش فى هجومهم على الكتيبة «101» المجاورة للمتحف، وتسبب الانفجار فى تدمير شديد بالمتحف وانهيار سقفه وواجهته، ولكن هذا الانفجار لم يصب أياً من الآثار التى يحتويها، إذ أعلنت وزارة الثقافة أن الآثار محفوظة فى المخازن وبعيدة عن الانفجار.
وفى ذكرى ثورة 25 يناير دوى صوت انفجار هائل خلف مبنى الدفاع المدنى الذى يقترب من عامه الخمسين بمحافظة السويس، إثر انفجار قنبلة صوت هزت أرجاء المكان. كما تم سماع صوت انفجار هائل خلف مسرح الأربعين بالمحافظة إثر انفجار عبوة ناسفة على خط السكك الحديدية الكائن خلف المسرح تسبب فى تلف القضبان وتحطم الدعامات. وفى ميدان قارون التاريخى بمدينة الفيوم انفجرت فى ذكرى الثورة عبوة ناسفة ولكنها لم تسفر عن أى إصابات أو خسائر فى الأرواح، وتم تمشيط المنطقة وفرض كردون أمنى حولها. وفى ميدان السيدة عائشة وعلى مقربة من الضريح الأثرى وقبل ذكرى الثورة فى 22 يناير الماضى، فرضت قوات الأمن كردوناً أمنياً للاشتباه فى أحد الأجسام الغربية، وتم استدعاء خبراء المفرقات لمعاينة الجسم الغريب وتفكيكه.[FirstQuote]
وفى الأقصر فى 22 يناير الماضى تمكنت قوات الأمن من تفكيك قنبلة بدائية الصنع فى منطقة السيدة زينب المؤدية إلى المنطقة الأثرية غرب الأقصر دون وقع أى خسائر.
وفى منطقة كوبرى القبة استيقظ الأهالى صباح يوم 22 يناير الماضى على صوت انفجار قنبلة بدائية زُرعت بجوار القصر وأسفرت عن إصابة شرطيين ومدنى، وتم تمشيط المنطقة للبحث عن قنابل أخرى، وفى ظهر اليوم نفسه وفى محيط جامعة القاهرة العريقة بالقرب من كلية الهندسة تم زرع ثلاث قنابل بدائية تمكن خبراء المفرقعات من تفكيكها، كما تم الإبلاغ عن وجود أجسام غريبة فى محيط مبنى جامعة الدول العربية.
وفى 24 يناير 2015 تم الإبلاغ بالاشتباه فى وجود قنبلة أمام المستشفى القبطى بغمرة، وانتقل على الفور خبراء المفرقعات إلى الموقع وتم فرض كردون أمنى على المنطقة وتفكيك القنبلة، كما نجح خبراء المفرقعات فى تفكيك قنبلة عُثر عليها بجوار مبنى معهد الموسيقى العربية برمسيس.
وتقول الكاتبة فريدة الشوباشى، تعليقاً على استهداف الأماكن الأثرية والمنشآت العامة: «منهج الجماعات الإرهابية جعلنا نرجع للقرون الوسطى، وتحول العداء للشعب المصرى إلى عداء ثقافى وتاريخى من خلال تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية فى الأماكن التاريخية والثقافية لكى يمحو ما تتميز به مصر فى الخارج، وهو ثقافتها وتاريخها». وأضافت: «الناس دول مش عاوزين لنا ماضى أو مستقبل ليقينهم أن المصريين بإمكانهم أن يصنعوا عجائب الدنيا كما صنعوا قبل ذلك الأهرامات». وتواصل «الشوباشى»: «ينبغى أن نواجه المخطط الإرهابى الذى يهدف إليه هؤلاء الإرهابيون، وهو محو الهوية المصرية، ويجب أن يعى المصريون ذلك ويقاوموه بكافة السبل والطرق، ويجب أن يكون لدى الشعب المصرى الوعى الكافى لمواجهة هذه المخاطر، ومن ثم يجب على الحكومة أن تواجه هذه العمليات الإرهابية فى الأماكن الثقافية بتشديد الحراسة على تلك الأماكن، وأن تكلف الشباب الواعى الذى يعرف قيمة هذه الأماكن وما بها بحمايتها، فهؤلاء الإرهابيون أشد انحطاطاً من الصهاينة، وهذه هى المرة الأولى التى نواجه فيها عدواً من داخلنا، ولكن يجب أن نتيقن من أنه لا يمكن للإرهاب أن يهزم دولة».
وقالت الكاتبة والناقدة منى الصاوى: «التنظيمات الإرهابية بهجومها على التراث والثقافة المصرية تخدم المصالح الصهيونية، ولا يجب أن نقرن الإخوان بالإسلام، ونقول إن الإخوان وغيرهم من التنظيمات الإرهابية يريدون أن يمحوا تاريخنا حتى لا يبقى لنا تاريخ نتباهى به أو نتحدث عنه»، وأضافت: «فكر هذه التنظيمات الإرهابية يتمحور حول أن هذه الآثار والأماكن الثقافية عبارة عن تماثيل وأن مصر مكبلة بهذا التاريخ، ولكن الحقيقة أنه لن يكون لمصر أى ريادة بدون هذا التراث، ومن ثم يجب على الحكومة والمسئولين أن يعملوا على مضاعفة حماية هذه الأماكن لأننا فى حرب قذرة لا تراعى حرمة هذه الأماكن».[ThirdImage]
وأشارت «الصاوى» إلى «وجوب الاعتراف بأوجه القصور الموجودة فى المنظومة الأمنية لحماية الأماكن الأثرية والتراثية، وضرورة تغيير أسلوب التأمين بالمدرعات التى تقف فى واجهات المتاحف ونستبدلها بأنظمة أكثر تقدماً لأنه لا يمكن للسائح أن يتجول بحرية وأمان فى متحف يتقدم واجهته المدرعات». وأوضحت أن المصريين لديهم الوعى الكافى لحماية الآثار والأماكن الثقافية، ويجب أن نزرع هذا الوعى فى التلاميذ منذ الصغر.
وقال على سالم، الكاتب والمسرحى، إنه يجب أن يكون هناك حراسة حقيقية وليست ظاهرية للأماكن الأثرية والتراثية والعمل على تجنيبها الصراع مع الإرهاب، مضيفاً: «عدم وعى الإرهابيين والجماعات المخربة بقيمة هذه الأماكن الأثرية والثقافية هو ما يجعلها تستهدفها بطريقة غير مباشرة وتهدف من خلال استهدافها إلى إزعاج الحكومة والسلطات لأنها لا يمكنها أن تزيل وجود الحكومة، فتعمل على إزعاجها».