محمد فؤاد: لعبة "قط وفأر" بين الدولة والمستثمرين
قال الدكتور محمد فؤاد، الخبير الاقتصادى، إن مرحلة «الغَزَل» بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ورجال الأعمال انتهت سريعاً، موضحاً أن النجاح الباهر للمؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ الذى انطلق فى 14 و15 مارس الماضى وحضره عدد كبيرمن رؤساء وزعماء العالم رغم إشراف القطاع الخاص على ترتيبه، حمل رسالة واضحة للوبى رجال الأعمال المصرى بأن البديل الأمثل له موجود، فى إشارة إلى المستثمرين العرب والأجانب الراغبين فى الاستثمار بمصر، خاصة أن القاعدة الاقتصادية تؤكد أن الفرص تخرج من رحم الأزمات.[FirstQuote]
وأضاف «فؤاد»، فى حواره لـ«الوطن»، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى راهن منذ بداية حملته الانتخابية بشكل واضح على رجال الأعمال، وعبر عن ذلك عشرات المرات، دعاهم وحثهم خلالها على التبرع، ليتمكن من تنفيذ خطته الطموح لإنقاذ اقتصاد مصر من الانهيار خاصة بعد أحداث سياسية عصفت بالاقتصاد المصرى على مدار 4 أعوام مضت، لكن بعد مرور عام ومع انتهاء مرحلة الغزل من جانب رجال الأعمال، وجدوا أنفسهم أمام رجل لا يعنيه من الأمر سوى مصلحة الوطن وليس حفنة من أصحاب المصالح، وعلى ضوء ذلك بل ويمكن وصفه برد الفعل السلبى من جانب رجال الأعمال هناك من أطلق سهامه الإعلامية لمهاجمة الرئيس.. وإلى نص الحوار.
■ بداية، هل ترى أن فترة تقارب رجال الأعمال المصريين والرئيس انتهت؟
- بالفعل، ففترة الغزل بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ورجال الأعمال، انقضت فى أغسطس من العام الماضى، لتبدأ مرحلة مواجهة مستترة، ظهرت للعلن بعد أن قال الرئيس فى أحد لقاءاته العامة لرجال الأعمال: «هتدفعوا يعنى هتدفعوا»، معلقاً على عزوف رجال أعمال عن المساهمة فى التبرع لصندوق «تحيا مصر»، الذى بادر عدد كبير منهم بالإعلان عن رغبتهم فى المشاركة فيه، لكن حصيلته لم تتجاوز حتى وقت قريب ستة مليارات جنيه، فى حين أن الرئيس كان يأمل فى أضعاف هذا الرقم.
■ البعض يقول إن تلك العلاقة مرت بمرحلة توترات.. فكيف ترى ذلك؟
- شهدت العلاقة بين الطرفين مرحلة جديدة من التوتر، على خلفية رفض بعض رجال الأعمال التشريعات التى تمنح العمال مزيداً من الحقوق وتأخذ منهم مزيداً من الضرائب، وكان آخرها رفضهم بشدة قانون الضريبة على الأرباح الرأسمالية والتوزيعات بالبورصة، وهاجم عدد منهم الحكومة بشأن محتوى قانون الاستثمار، وتأخر لائحته التنفيذية وقناعتهم بأن الحكومة تدلل المستثمر الأجنبى وتقسو عليهم، فالعلاقة بين الرئيس وإدارته من ناحية ورجال الأعمال من ناحية أخرى أقرب إلى لعبة القط والفأر، والتنظيمات الرسمية لرجال المال والاستثمار فى مصر انقسمت ثلاث مجموعات بين مؤيد مطلق لكل كلمة يطلقها الرئيس، وأخرى ترفض، وثالثة تقف فى منطقة الحياد، وشريحة منهم تمثل الدولة العميقة التى تسعى فقط لتكريس مصالحها على حساب الصالح العام.[SecondQuote]
■ وكيف تؤرخ للعلاقة بين الرئيس ورجال الأعمال؟
- بدأت لقاءات الرئيس بالمستثمرين منذ بداية حملته الانتخابية وكان أبرزها لقاؤه بأعضاء اتحاد الصناعات المصرية الذى تحول وقتها لمظاهرة تأييد لـ«السيسى»، واكتفى الرئيس أثناء اللقاء بالحديث عن الأخلاقيات العامة والسلوكيات غير المقبولة، مثل التهرب الضريبى، الذى وصفه بالمحرمات، دون طرح مشكلات الصناعة الحقيقية مثل نقص الطاقة والأراضى المرفّقة والاتفاقيات التجارية بين مصر والدول الأخرى، وعجز الموازنة، وكيفية تمويلها، وعندما أسدل الستار على ماراثون الانتخابات الرئاسية وفاز السيسى بمنصب الرئيس، وبدأ الترتيب لإعادة هيكلة البيت من الداخل كما وعد خلال حملته الانتخابية، جمع الرئيس رجال الأعمال فى حفل إفطار وزارة الدفاع بفندق «الماسة» التابع للقوات المسلحة، مطلع يوليو الماضى، وحضر اللقاء عدد من أبرز رجال الأعمال المعروفين، وشهد تبادل الرؤى حول معوقات الاستثمار فى مصر، وطالب الرئيس، رجال الأعمال بالتبرع لصندوق «تحيا مصر» الذى أطلقه فور فوزه بمنصب الرئيس، وتطرق لشقين أساسيين، هما المعوقات التى تواجه رجال الأعمال، والمساهمات التى بوسعهم تقديمها لمصر فى هذه المرحلة، ولا أحد ينكر أن الرئيس كان ودوداً للغاية معهم، وطمأنهم غير مرة على مناخ الاستثمار وعدم صحة ما يساق من شائعات حول الترصد برجال الأعمال ومضايقتهم بقوانين وفرض ضرائب جديدة.
■ إذن، فأين الخلاف من وجهة نظرك؟
- فى البداية يجب أن نعترف بأن الحديث عن التبرعات جاء بشكل غير مباشر، حين قال لهم الرئيس: «أقسم بالله لو معايا 100 مليار جنيه كنت اتبرعت بيها لمصر»، وقال الرئيس نصاً: «أى مشروع هيفيد البلد هامضى عليه على طول، ومش هاستنى لا وزير ولا رئيس وزرا، أنا هامضى على طول»، وقال يومها أيضاً مداعباً رجال الأعمال: «المرة الجاية كل واحد ييجى ومعاه الفلوس اللى هيتبرع بيها»، من هنا استشعر رجال الأعمال أن الرئيس ليس بالرجل السهل.[ThirdQuote]
■ وكيف تفسر مباركة رجال الأعمال للقرارات التى اتخذها الرئيس وقتها؟
- رجال الأعمال باركوا كل قرارات الرئيس، وأبدوا موافقتهم على القرارات الخاصة بزيادة أسعار الوقود وفرض الضرائب على البورصة، إلا أنهم تقدموا بعدد من المقترحات على رأسها ضرورة توجيه الحصيلة الضريبية الإضافية لتطوير العشوائيات، لأنهم أول من تأذى منها وهاجموها بعد ذلك ظناً منهم أن الرئيس سيكون فى جيبهم كغيره من الرؤساء السابقين.
■ وما تفسيرك للموقف بشكل عام؟
- هذه العلاقة من الأمور التى تثبت فى بداية الأمر أن الرئيس لم يرد تغيير السياسات، فرجال الأعمال فى العالم يؤدون ما عليهم من خلال الضرائب التصاعدية التى تصل فى بعض دول أوروبا وأمريكا إلى 65%، وهذا الأمر المتعلق بضرورة تبرع رجال الأعمال غير منطقى، فلا يجوز أن تحل «الحسنة وأعمال الخير» محل السياسة، هذا سيعيد دولة رجال الأعمال من جديد، وهو ما يجعل التصادم بين الطرفين يطل على استحياء، وهو أيضاً ما دفع «بعض رجال الأعمال» إلى رفض مسألة التبرعات وتفسيره بأن الموضوع حرية شخصية.
عداء أو خصومة
لا يمكن تصور وجود عداء أو خصومة بين رجال الأعمال والرئيس، فكلاهما يحتاج الآخر، والدولة بقوة القانون هى الطرف الأقوى فى أى علاقة، و«السيسى» لا يسعى لمنازلة رجال الأعمال ولا غيرهم، بل يسعى لخلق مزيد من فرص الاستثمار بما يخدم مصالح المستثمرين الساعين إلى مزيد من الأرباح ويحقق مصلحة البلد فى القضاء على البطالة، لكن مع نجاح المؤتمر الاقتصادى الذى تم إسناد ترتيبه إلى القطاع الخاص، استطاع الرئيس أن يرسل رسالة واضحة لرجال الأعمال المصريين، وهى «إن بديلكم موجود»، حتى لا يستطيعوا لى ذراعه عبر وقف الاستثمارات الجديدة. وأرى أن العلاقة بينهم هى لعبة تبادل سلمية بين قوتين تعرفان بعضهما البعض جيداً، وإذا كنا أمام قوانين فبديهى ورغم التوترات بين الرئيس وجماعات الضغط من رجال الأعمال فإن الرئيس امتص مراوغة أصحاب الأعمال، وأصدر قرارات كانت مفاجئة لهم ورغم مباركتهم للقرارات وقت الغزل هم أنفسهم من أعلنوا رفضها، فالرئيس يرى المواطن لكن رجال الأعمال لا يرون سوى الأرباح.