ليست المرة الأولى التى أكتب فيها عن قرية «عمروس» وفلاحيها الاستثنائيين الذى يؤمنون بحقيقة أنه ما ضاع حق وراءه مطالب. وكل ما يطلبه هؤلاء هو تمديد مشروع صرف صحى إلى قريتهم. أشرت فيما كتبت سابقاً إلى أن أهالى القرية يرفعون شعار «من اعتمد على الحكومة بات كبده ينقح عليه»، فقد سبق أن تآزروا فيما بينهم لإنشاء مدارس إعدادى وثانوى، وأقاموا محطة تحلية مياه الشرب بالجهود الذاتية. إنهم فعلوا ذلك فيما لهم فيه حيلة، لكن موضوع المجارى لا بد أن يتم من خلال الحكومة، وليس فى يد الأهالى وسيلة للمساعدة سوى ما فعلوه حين اشتروا بمالهم قطعة الأرض اللازمة للمشروع وتنازلوا عنها للحكومة كى تشد حيلها، لكن يبدو أن حيل الحكومة «مقطوع»!
خصص الأهالى قطعة أرض بجهودهم الذاتية لإقامة محطة صرف صحى للقرية، وعاينتها المحافظة، واعتمدتها. وقد شهد لى أغلبهم بأن محافظ المنوفية شخص متعاون معهم، وأنه يحاول المساهمة فى حل مشكلتهم، لكن الحكومة تضع العقدة فى المنشار ولا تريد أن تُدرج القرية على خريطة «الصرف الصحى»، يعنى المشكلة «محلبية» بامتياز. الحكومة لا تعدم الحجج، واعتذارها جاهز، وأساسه «المصاريف»، وهى تتشابه فى ذلك مع أب يتفلت من طلبات «عياله» بتلك العبارة المصرية الأبوية الشهيرة «أجيبلكم منين؟!»، لقد اكتفت الحكومة بإدخال «المجارى» إلى قرية واحدة من بين 42 قرية تابعة لمحافظة المنوفية. قرية واحدة حاولت الحكومة أن «تخزى بها عين المواطن»، وقرية واحدة لا تكفى!
لست أدرى هل يتفهم المهندس إبراهيم محلب حجم معاناة أهالى هذه القرية التى يحلم أهلها بواحد من أبسط حقوقهم كبشر، الحق فى ماسورة مجارى، وهل يستوعب التهديدات التى يمكن أن تلحق بهذه القرية، وغيرها من القرى التى تتشابه معها فى الظروف؟ مياه الشرب فى «عمروس» عرضة للتلوث بسبب عدم توافر «الصرف الصحى»، وصحتهم أصبحت مهددة، وأكبادهم غدت عرضة لفيروس سى لكى يتولى افتراسها. ولعلك لاحظت الأرقام المتصاعدة لمرضى الكبد فى مصر خلال السنوات الأخيرة، والتى يقف وراءها عوامل عديدة، من بينها عدم توافر المرافق الضرورية للحياة، وحالة السوء التى تسيطر على ما توافر منها.
لست أدرى أيضاً هل استمع «محلب» إلى خطاب الرئيس «السيسى» الأخير أم لا؟ كان من بين ما جاء فى هذا الخطاب دعوة وجهها الرئيس إلى شركات الأدوية فى مصر لتوفير مليون جرعة لعلاج شبابنا المصاب بفيروس سى، لأنه لا أمل فى مستقبل لشعب معتل الصحة. نشرت الصحف بعد هذا الخطاب أخباراً عن استجابة ما لا يزيد على خمس أو ست شركات للدعوة، ونام الأمر بعد ذلك. الرئيس كان مضطراً لهذه الدعوة نتيجة سوء أداء الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة والتى أدت إلى تفشى هذا الوباء، وارتبط جوهر السوء بعدم توفير المرافق التى تضمن للمواطن حياة صحية سليمة، خصوصاً أهلنا فى الريف المصرى الذين يدفعون أكثر من غيرهم ثمن إهمال الحكومة. على المهندس «محلب» أن يتحرك للحل، ويسرع إلى إدخال الصرف الصحى إلى قرية «عمروس» وغيرها، ويعلم أن ابنه ما زال تحت كمينه، وعليه ألا يضطر الرئيس إلى «التدوير» عليه!