لم تقتصر أفعال ملوك الفراعنة القدماء على أن ما ينطقون به يصير حكماً واجب النفاذ لتوه، بل إن بعضهم صار ينشئ ديانة جديدة ويُلزم باتباعها، وهكذا كان أمنحتب الرابع، من الأسرة الثامنة عشرة، الذى تولى الحكم شريكاً لأبيه وأقام معه فى طيبة، ولكن عندما اشتد ساعده وصار له كثير من الأمر، دعا لديانة جديدة توصف بأنها توحيدية، وهى عبادة الشمس، واختار أحد مظاهرها وهو آتون الذى عبّر به عن القوة الكامنة فى قرص الشمس، وأقام لها معبداً قرب معبد الكرنك، مما أثار عدم رضا الأب العاجز الغارق فى الملذات! بدأ أمنحتب الرابع دعوته برفق خوفاً من كهنة آمون، وقد تبعه بعض رجال البلاد وكثير من عامة الناس، ثم ازداد تعصبه لديانته وغيّر اسمه إلى «أخ - إن - آتون» أى أخناتون ومعناها النافع لآتون. لقد حاول توحيد آلهة مصر القديمة فى الإله الواحد، مما أدى إلى انقسام الناس، وبدأ كهنة آمون الذين بدأوا يشعرون بالخطر الداهم يضعون أمام أخناتون (أمنحتب الرابع) العراقيل والصعاب.
فى هذه الأثناء كانت البلاد تفقد مُلكها وسيطرتها على المناطق فى آسيا وتنقطع عنها الجزية التى كانت تأتى من هناك، وينفضّ عنها كثير من حلفائها.
ورغم ذلك بدأ أمنحتب الرابع (أخناتون) بناء عاصمة جديدة وسماها آخت آتون (مشرق الشمس) وبنى معبده، وقصوره ورسم لوحاته فى تلك المدينة التى استغرق بناؤها عامين كاملين، ثم انتقل وعائلته وحاشيته إلى تلك العاصمة التى أقسم ألا يغادر حدودها طالما كان حياً؟! ومكانها الآن قرب تل العمارنة. ثم أعلن أخناتون حرباً لا هوادة فيها على خصومه من الكهنة وعلى آمون وغيره من الآلهة، وأمر بمحو اسم آمون أينما وُجد حتى لو اقترن باسم أبيه أو اسمه، وأقصى الرجال الذين لم يتبعوه فى دينه الجديد وقرّب هؤلاء الذين أبدوا حماسة أو طاعة أو نفاقاً، وصارت وظائف البلاد مرهونة بأهل الثقة لا الكفاءة، فى وقت ازدادت فيه حالة البلاد سوءاً، إذ استمرت مملكة خيتا فى الإغارة على سوريا وضمتها، ولاية بعد أخرى، ثم بدأت مدن أخرى فى فينيقيا وفلسطين تستقل أو تهاجم الأخرى، وبدأت جماعات من بدو الصحراء تخلق اضطرابات واسعة فى الأمن، بينما كان أخناتون مشغولاً بذاته وبعبادة إلهه وبسماع الأناشيد التى تتغنى به ومكافأته لهؤلاء المنافقين.
وقد تعرّض أخناتون لمحاولات اغتيال، مما دعاه إلى الانزواء أكثر فى قصره، واعتمد على المتملقين وأخصُّهم هو شخص غير مصرى يسمى «توتو».
تزوج أخناتون من نفرتيتى، ومعنى اسمها «الجميلة أتت»، وقد غيرت نفرتيتى اسمها هى أيضاً لتتوافق مع دعوة زوجها فصار نفر آتون نفرتيتى أى «آتون يشرق لأن الجميلة أتت»!
ولكن وريث أخناتون فى الحكم توت عنخ آمون كان من زوجته الثانية «كيا». وقد كان اسم توت عنخ آمون الأصلى هو توت عنخ آتون، ولكنه بمجرد أن ولى الحكم خلفاً لأبيه أخناتون غير اسمه ليصير «الصورة الحية للإله آمون» بعدما كان «الصورة الحية للإله آتون»! وبذلك نفهم أن توت عنخ قد أعاد عبادة آمون، وتجاهل عبادة أبيه أخناتون، بل إنه خلع اسمه عن نفسه، وهو أمر دعا إلى الشك فى نسب توت عنخ آمون لأخناتون ولكن أثبت تحليل «دى إن أ» الذى أجرته وزارة الآثار أن توت عنخ آمون أو آتون هو ابن لأخناتون.
إن الابن توت عنخ لم يتبع عادة غريبة عندما ترك عاصمة أبيه وذهب إلى العاصمة القديمة أو عندما أنكر ديانته، وأعاد العمل بالطقوس الدينية التقليدية، ثم ما تبع ذلك بعد سنوات، إذ تمت الإساءة لسمعة أخناتون ووصُف بأنه العدو!
هكذا حكام الفراعنة أو الديكتاتوريون فى أى زمان ومكان!