ظنوا وبعض الظن إثم، وأفتى شيخهم «القرضاوى» وبعض الفتاوى ضلال. أن الثلاثمائة مقاتل قد أتوا بلحاهم وسيوفهم ورماحهم، من غزوة بدر إلى غزوة سيناء لقتال جيش المرتدين. وأن الله سيمدهم بخمسة آلاف من الملائكة المسومين، لا يعصون الله ويفعلون ما يؤمرون. خاب ممشاهم وخابت فتوى مشايخهم وساء ما يقولون وما يفعلون. كل قتلانا فى تاريخنا باحثون عن الملائكة المسومين. مشايخنا فى تاريخنا ضللوا الظالمين، وكل ظالم منهم جعلوه من القانتين الحامدين الشاكرين. حتى «الحجاج ويزيد وأبوجعفر المنصور والسفاح والبغدادى»، لما قتلوا وذبحوا وسلخوا كانوا من الخلفاء الراشدين.
مشايخنا أدخلوا النار نصف المسلمين، والنصف الآخر فى صفوف المجهولين والمجاهدين الضائعين.
تاريخنا يا سادتى. القاتل فيه على وضوء، والمقتول فيه على صلاة، وأوان قتله عند أذان الفجر، وشهر نحره والناس صيام. لما سألوا عبدالرحمن بن ملجم قاتل على بن أبى طالب: ماذا لو فشلت فى قتله، وقتلك الخليفة؟ قال بثقة: ما عند الله خير وأبقى!! وهذا الحجاج بن يوسف الثقفى، بغضه الأمويون لقتلهم وقطع رقابهم، وكرهه الخوارج لانتقامه منهم، وأبغضه الشيعة لما فعله بآل بيت النبوة فى المدينة. قتلاه ثلاثمائة ألف قتيل. سجونه بلا أسقف أو أعمدة، تقى عباد الله حرارة الصيف وبرد الشتاء. كان يرى أن ما فعله بالعباد تقرباً إلى الله ينتظر عليه الأجر، وما زال باحثاً عنه. كان «الحجاج» يرى أن حبه للخليفة الأموى يصل به إلى درجة حبه إلى الله (كما فسرها له الفقهاء الذين ضللوه، كما ضللوا دواعش العصر والإخوان من بعده). لحظة موته ينشد «الحجاج»: «أى والله لا أرجو الخير إلا بعد الموت»، مشايخنا لم يكفّروا الحجاج على قتله عشرات الآلاف، ولم يكفّروا الدواعش على الذبح والحرق والاغتصاب، ولم يكفّروا «أنصار بيت المقدس» أو غيرهم. لماذا؟ يقولون لأن الإيمان وقع قبل الفعل، وأن الإيمان يمنع غضب الله!! لكنهم بغاة وفسقة ولن يدخلوا النار على أفعالهم هذه. وكان عمر بن عبدالعزيز يكره «الحجاج» ويمقته لظلمه، لكنه كان يحسده على تعظيمه القرآن. قالوا: لم يكن يأمر بالقتل إلا طاهراً وقارئاً له. يستخفون بعقولنا ويقولون لنا: تارك الصلاة كافر ويستتاب. ويقولون: ما لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر والبغى فلا صلاة له. ويقولون: دخلت امرأة النار فى هرة عذّبتها وحبستها عن الماء. ثم يقولون لنا لن يدخل «الحجاج» وكل القتلة فى تاريخنا حتى أبوبكر البغدادى النار فى ذبح آلاف البشر!! وما دام الأمر كذلك فليقتل الدواعش ما شاء لهم القتل، ويذبح أوغاد بيت المقدس ما شاء لهم الذبح، فلن يدخلوا النار فيمن قتلوا وفيمن ذبحوا.
ونعود معاً إلى قصة قتل ابن أبى طالب. كانت أيضاً بعد عمرة واعتكاف فى المسجد الحرام فى شهر رجب، وهو من أعظم الأشهر الحرم. اتفق ثلاثة من الخوارج، هم عبدالرحمن بن ملجم على قتل على بن أبى طالب فى الكوفة، والبرك بن عبدالله التميمى على قتل معاوية بن أبى سفيان فى دمشق، وعمرو بن بكر التميمى على قتل عمرو بن العاص فى الفسطاط بمصر. كفّروا الثلاثة، وكفّروا من قبل من المسلمين التحكيم بين «على» و«معاوية». ولم يجدوا حلاً للصراع بين المتقاتلين سوى قتل الثلاثة معاً، واختيار خليفة جديد، بعيداً عن صراع بنى عبدالدار وبنى عبدمناف، على الريادة والقيادة الممتدة من الجاهلية حتى أوانهم. اتفق الثلاثة على قتلهم فى السابع عشر من رمضان، كل القتلة يتشبثون بالقتل فى شهر العبادة. يحكى الرواة: عن القاتل الأول عبدالرحمن بن ملجم أنه ساوم امرأة كانت فائقة الجمال، قتل على بن أبى طالب زوجها فى «النهروان» واشترطت عليه أن يكون مهرها هو قتل الإمام على.ووافقها ليغنم الحسنيين، جمالها وفتنتها، أو أيهما. أقام الثلاثة فى مكة شهرين قبل شهر رجب، واعتمروا فيه واعتكفوا خمسة عشر يوماً وافترقوا نهاية الشهر، وتعاقدوا وتعاهدوا أن يرحل كل منهم إلى مقصده، على أن يكون اليوم المتفق عليه فى القتل يوم صوم، وساعة صلاة، ودقيقة السجود حتى يكون القتل مبروكاً، والقرب إلى الله أعظم. لا يهمنا كيف قُتل «على»؟ وكيف أفلت من القتل «معاوية» و«عمرو»؟. ما يهمنا أن نقول إن عقيدة من قتل الإمام هى ذاتها عقيدة من جاء عندنا لقتال، هى نفسها عقيدة من أسر لنكاح واغتصاب، هى العقيدة ذاتها لمن سرق ونهب الأموال لإعداد رباط الخيل، يرهبون عدوهم، ظناً منهم أن كل خلق الله أعداء الله.
فى تاريخنا تضليل وتزييف وسطو وافتئات على حق الله. كل من قتل كان يقتل قربانا إلى الله. كل من أسر وسبى وباع الجوارى وضاجعهن كان طامعاً فى ثواب الله. كل من ذبح وأحرق وأغرق كان طامعاً فى رحمة الله. لا تحاسبوا من قتل، لكن حاسبوا من جاء به لقتال. حاسبوا مشايخ من مئات السنين أباحوا القتل باسم الله، وشرّدوا عباد الله فى بلاد الله باسم خلافة الله. فأضاعوا عباد الله وأضاعوا خلافة الله. وحسبوا أنهم يحسنون صنعاً. لن تقاتل الملائكة مع الغدر، وسيقتل كل الغزاة على أبواب مصر. وقانا الله شرهم وشر مشايخهم، آمين.