في ذكراها الـ 63.. ماذا تبقى من ثورة 23 يوليو؟
"تآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولى أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم".
بهذه الكلمات قرأ البكباشي محمد أنور السادات صاحب الصوت القوي والمُجِيد لفن الإلقاء – حسب رؤية جمال عبد الناصر- بيان ثورة 23 يوليو 1952 في السابعة والنصف صباحًا، لتشرق شمس ذلك اليوم على تغييرات بدأت باستقالة رئيس الوزراء ومحاصرة قصر رأس التين وطرد الملك فاروق، ثم تشكيل وزارة الثورة.
وقبل هذا البيان ظلت مصر لأكثر من 2000 عام لم يحكمها مصري واحد على الإطلاق، وأشيع المجون في البلاد بسبب حكم الملك الفاسد، حتى أن العاملون والفلاحون طالهم الظلم وأُعيِدت السُخرَة لأعمالهم، ثم جاءت هذه الثورة وغيرت كل المقاييس، وحققت نجاحات لم تكن في الحُسبان، حتى إن بعض قيادات الثورة أثناء نقاشهم الأخير لخطتها، توقعوا نجاحها بنسبة 10% فقط، وأعطيت الخطة اسمًا سريًّا "نصر"، ثم نسف هذا الاسم توقعات أصحابه.
وتوقع كاتبو خطاب الثورة أنه سيكون مجرد كلمات مسترسلة للحشد الشعبي، لكنه ما إن نُطِقَ بتلك اللهجة الصعيدية الحازمة، شرع في قلب موازين البلاد بأكملها، فلم يكن بدوره معلنًا بقيام ثورة انتظرها المصريون لتغرب شمس الظلم والفساد فحسب، بل اكتملت صيغته الثورية في إعطاء كل ذي حق حقه، فاسترد الفلاحون أراضيهم، وأُقِرَت مجانية التعليم، وأممت قناة السويس، وبدأ تنفيذ أهم مبدأ وهو بناء جيش وطني قوي، وغير ذلك مما نعايشه من نعيم في عصرنا الحالي. وتحل الذكرى الـ 63 لهذه الثورة المجيدة وسط تساؤلات عن ما تبقى منها.
بدوره، علق الكاتب الصحفي صلاح عيسى على ما تبقى من ثورة 23 يوليو قائلًا "إن وجود التيارات الدينية الوسطية التي خاضت حركة التحرر الوطني مسبقًا في كل المراحل التي أعقبتها بجانب التيار القومي العروبي بجانب التيار الاشتراكي الداعي إلى العدل الاجتماعي، جنبًا إلى جنب التيار الليبرالي خير دليل على بقاء أثر هذه الثورة حتى ما نحن عليه اليوم".
وقال عيسى لـ"الوطن" إن "الثورات لا تحسب بأبنيتها ولا قوانينها، فهذا يتقادم بالزمن، ولكنها تحاكم بمقياس القيم التي أرستها في المجتمع"، مشيرًا إلى أن "الثورة أرست عدة قيم أساسية مازالت قائمة حتى الآن، وأولها قيمة "الاستقلال الوطني"، وفتح الهرم الاجتماعي المغلق بحيث أصبح أي مواطن مصري من أسفل السلم الاجتماعي يستطيع أن يصعد بمجهوده، كما أن القيمة الثالثة هي إقرارها لضرورة التزام الدولة بحد أدنى لضمان مستوى معيشة للطبقات الفقيرة من سياسات دعم وغيرها".
وأردف صلاح عيسى أن الاختلاف بين ثورات الربيع العربي وثورة يوليو يصعب تحديد إلا بعد مرور 50 سنة على هذه الثورات، على الرغم من تشابهها، مشيرًا إلى أن المشكلة التي أنتجتها ثورة يوليو على الرغم من نجاحها هي وجود قائد لها، كما يجب حذر ثوار يناير من أن تاريخ مصر بدأ عندها، ليتكرر نفس خطأ ثورة يوليو.
من جانبه، رأى الكاتب الصحفي سليمان الحكيم، أن أبرز ما تبقى من ثورة 23 يوليو هو شعبها الذي أيدها في حينها ويرفع الآن صور قائدها في كل مناسبة متعطشًا لنفس الزعامة والسمو الذي تملك ذلك القائد، مشيرًا إلى أن هذا الشعب هو ذاته الذي يتطلع إلى نفس الإصلاح والتغيير الذي نادى به منذ 63 عاما.
وتابع الحكيم لـ"الوطن" أن الثورة أنتجت آلاف العلماء والخبراء الذين وُلِدوا من رحمها، لافتًا إلى أن ثورات الربيع العربي المستجدة لم تبتعد في أهدافها عن ما هدفت إليه 23 يوليو قائلا: "كلما خبا نور ثورة ناصر، كلما تعود لتشتعل من جديد".
وأسهب الكاتب في أن الفكرة الأخرى التي رسخت فكرتها ثورة يوليو هي أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية ولذلك هي التي أشاعت المشاعر العروبية لدى الشعب وأن مصر لا تستطيع أن تعيش إلا بمحيطها العربي.
وأشار سليمان الحكيم إلى أن حلم القومية العربية لم يكن ناصريًا، ولكن عبد الناصر نفسه يعد نتاجا لهذا الحلم، فالقومية هي التي صنعة أيديولوجيته، مضيفا: "مات جمال عبد الناصر ومازال الحلم قائمًا، فناصر هو المثال الحي والتجسيد الحقيقي للقومية ولم تكن القومية تجسيدًا له".
وأضاف الكاتب الناصري أن ما أعطى ثورة يوليو طابعًا خاصًا يجعلها تختلف نسبيًا عن ثورات العهد الحديث، هو أنها انطلقت من قاعدة أن مصر لا تنقاد ولا تُرأس، هي فقط تقود وتترأس، موضحًا أن سبب من ضمن عدة أسباب تفتقدها هذه الثورات هو الزعامة والتوحد حول قائد.