مزارع الزيتون فى «عفونة»: الشجر ميت على أرضه ومحولات الكهرباء «راحت فى السيل»
مزارع الزيتون فى «عفونة»: الشجر ميت على أرضه ومحولات الكهرباء «راحت فى السيل»
أحد الأهالى يشير إلى الشجر المدمر
مزارع ضخمة تمتد على آلاف الأفدنة، على جانبى طريق الأوائل، بعد قرية «عفونة» المنكوبة مباشرة، السيول التى عصفت بالقرية، دمرت مزارع الزيتون، واقتلعت أشجاره فمات على أرضه، كما دمرت كافة شبكات الرى، التى تمتد على عدة أفدنة، وقضت على محولات الكهرباء، يقول المزارعون إن ذلك التوقيت يعتبر موسم حصاد الزيتون، الذى تحول إلى موسم خراب، لم يتمكنوا حتى من جمع الزيتون، مؤكدين: «العوض على الله فى المحصول الجديد، لأنهم سيضطرون لاستصلاح الأراضى التى أغرقتها الرمال، وإعادة زراعة أشجار جديدة بدلاً من التى اقتلعتها الرياح من جذورها، مزارع ضخمة تحولت إلى أرض بور».
المنطقة تشتهر بمزارع الزيتون والرمان، ومزارع الماشية والدواجن، الخسائر طالت البنية التحتية لتلك المزارع، وخسائر فادحة فى الماشية والدواجن، وآلاف العاملين الذين نجوا من الموت بأعجوبة، والذين يرفضون العودة إلى أعمالهم.
«الشيخ»: «أول حاجة عملتها بعد السيول جريت على العمال عشان أتأكد إنهم عايشين».. و«ربيع»: «مزارعنا اتخربت والعوض على الله فى المحصول الجديد»
قال محمود الشيخ، صاحب مزرعة زيتون بمشروع الـ36 ألف فدان فى طريق الأوائل، واصفاً لحظة استقباله لخبر السيل: «كان فيه 8 عمال بس فى المزرعة وقتها، لما سمعت الخبر ما بقتش عارف أعمل إيه، الوصول للمزرعة كان شبه مستحيل».
وأضاف قائلاً إنه تمكن من توفير عربة دفع رباعى، وتمكن من الوصول بأعجوبة إلى مزرعته، وتمكن من إنقاذ العمال، واصفاً تلك اللحظات الصعبة: «بقيت واقف أدامهم وفضلت أعد فيهم، وأتأكد إنهم كلهم موجودين، وسُلام ما فيهمش أى إصابات»، مؤكداً أن الخسائر المادية مهما كانت فادحة، فيمكن تحملها، ولكنه لا يتحمل ذنب موت عامل.
وأكمل «محمود» أن العمال فى تلك المزارع معظمهم من محافظة الفيوم، جاءوا من القرى الفقيرة بحثاً عن لقمة عيش، يوميتهم تتراوح بين 40 و50 جنيهاً بحد أقصى، ويأتى بهم أحد السماسرة، وينال عمولة فى مقابل إحضارهم، بل ويقتطع من أجرهم 5 أو 10 جنيهات من يومية كل عامل، وبالرغم من ذلك فهم يتوافدون بأعداد كثيرة ويرضون بقليلهم، مضيفاً: «ما كنتش هقدر أرجع لعيلة واحد منهم جثة ابنها، ربنا يصبر الناس، أنا لما شُفت أهالى المفقودين هانت عليا مصيبتى، وخسايرى اللى طالت المزرعة».
بينما يتجول «محمود» فى مزرعته، التى لم يعد بها طريق يسمح بدخول عربة إليها، يمضى وسط أشجار الزيتون التى اقتُلعت من جذورها، وأصبحت الجذور مكشوفة على الأرض، يقول: «الجذور دى كلها هتنشف خلال أيام والشجر هيموت».
ويستكمل قائلاً: «أما الكارثة الكبيرة التى لا يمكن تحمل تكلفتها فهى البنية التحتية الخاصة بالمزرعة، كلها ضاعت»، مشيراً إلى شبكات الرى التى اقتلعت بالكامل من الأرض، وتحطمت ولم تعد تعمل، قائلاً: «تصليح شبكات الرى على مساحة فدان واحد تكلفتها 5 آلاف جنيه، أما إعادة بنائها بالكامل من جديد فستكلفنى 7 آلاف جنيه، ويمكنكم حساب هذا المبلغ على مساحة 36 ألف فدان، تكلفة لا يمكن تحملها». ويبيِّن «الشيخ» أن محولات الكهرباء الموجودة فى المزرعة كلها دُمرت بالكامل، ولم يعد لها أثر، مضيفاً أنه دفع 450 جنيهاً لكل فدان صيانة للكهرباء والرى فى مزرعته للمحافظة، ولذلك عليها المساهمة فى إصلاح البنية التحتية لتلك المزارع، بموجب القانون والعقود، وأنه لو استمر الوضع أكثر من ذلك ستُدمر جميع المزارع الخاصة بالمستثمرين.
وأمام مزرعة ربيع للزيتون، يقف محمد ربيع بملابس متسخة، وقدمين حافيتين، يحاول تقدير الخسائر التى طالت مزرعته، قائلاً: «المحصول السنة دى يعتبر بالكامل ضاع، إحنا بنورد الزيتون لكل مصر تقريباً، وزراعتنا ضاعت».
وأضاف محمد ربيع أن زراعة الزيتون مكلفة، فالأشجار تتطلب عناية خاصة، ولم يتمكن من الحصول على حصته من الأسمدة ذلك العام من وزارة الزراعة، فتكلف مبلغاً إضافياً، وبعد كل هذا العناء، دُمرت مزرعته بالكامل، مؤكداً: «العوض على الله فى المحصول الجديد».
وأشار إلى أن مزرعته ليست الوحيدة، فبجواره عدة مزارع للماشية والدواجن، فقد أصحابها حتى القدرة على الوصول إليها والاطمئنان على ما وصلت إليه الأمور.
«كل واحد من إخوتى عنده مزرعة، شال خسايرها لوحده»، يقول إن العائلة تكبدت خسائر كبيرة بعدة ملايين، ولم يتمكنوا من إعادة ترميم شبكات الرى، إضافة إلى أنه سيضطر إلى توفير عربات مخصصة لإزالة الرمال التى غطت المزرعة بالكامل، وإعادة استصلاح الأرض، وتوفير أشجار جديدة.
أما عن العمالة الخاصة بالمزرعة فيقول «ربيع»: «بتكلف فلوس اليومية الخاصة بالعمال بقالى 4 أيام مع إنهم مش قادرين يوصلوا المزرعة، لكن مش ذنبهم الكارثة اللى حصلت، عندهم بيوت ومصاريف لازم يدفعوها».
ويضيف محمد ربيع أن المستثمرين لن يتمكنوا وحدهم من تحمُّل كل تلك التكاليف الخاصة بإصلاح المزارع، وأن مطالبتهم للمحافظة للوقوف بجوارهم حقهم، لأنهم دفعوا أموالاً مقابل صيانة الطرق والكهرباء وشبكات الرى والبنية التحتية لتلك المزارع، وفى حالة عدم دعمهم فهناك مستثمرون سيقومون بالتخلى عن مشروعاتهم فى تلك المنطقة بشكل تام، وذلك أيضاً دق لناقوس الخطر، بالنسبة لباقى المستثمرين، الذين كانوا يقومون بشراء أراض فى تلك المنطقة، أما المستثمرون الأجانب فسيصرفون النظر بشكل تام عن ضخ أموال إلى مصر.
ويعرب «ربيع» عن مخاوفه من قدوم سيل آخر على مزرعته، خاصة إذا قام بإصلاح وترميم المزرعة، قائلاً: «والله، مش عارف أعمل إيه، خايف أدفع الفلوس دى كلها، وفى الآخر، يحصل خراب تانى، فى الأسبوع ده، خسايرى تجاوزت النصف مليون».
وأنهى حديثه، قائلاً: «الناس بتفكرنا عشان معانا فلوس يبقى نتحمل المصايب اللى حصلت، لكن إحنا بنعول أسر، وبنفتح بيوت عمال، وبندفع ضرائب، وفواتير كهرباء، وعندنا مسئوليات، وفى الفترة الأخيرة تأثر وضعنا الاقتصادى زى كل المصريين».