والدته: «لو كان ابنى حصل على الجنسية الأمريكية ماكنش حد قدر يتكلم»
والدته: «لو كان ابنى حصل على الجنسية الأمريكية ماكنش حد قدر يتكلم»
والدة المخترع المصرى تروى تفاصيل رحلته
تبرز وجنتها باسمة، حينما تتذكر مصطفى طفلاً تحمله وتبحث عن حضانة تؤويه وتعلمه: «ابنى لف على حضانات القرية كلها، كنت مصرة على تعليمه من وهو صغير»، رغم فقر القرية التى تعيش فيها والتى تحتوى على عدد لا بأس به من المتعلمين، ومنذ صغره تخطط لمستقبله، تحلم أن يرتدى تلك القبعة الصفراء، بعدما يلتحق بكلية الهندسة: «أبوه مسافر من ساعة ما اتولد وأنا بربّى ولادى لوحدى كتّر خيره طبعاً إنه موفر لهم المصاريف»، حيث يعمل والده فى شركة دعاية وإعلان بالإمارات ولا يمتلك أى وظيفة فى مصر يقتات منها لقمة عيشه.
ظلت السيدة ترعى وليدها: «كان وقتها البكرى الوحيد اللى ماليش غيره»، حتى وصل لسن الحادية عشرة، وبدت عليه علامات النبوغ، يظل لساعات أمام شاشة الكمبيوتر، دائم الاطلاع على الأبحاث العلمية والاختراعات، ويأتى لوالدته، ليحكى لها، والسيدة تهز رأسها بزهو لا تفهم ما يردده ابنها ولكنها فرحة باهتمامه بالعلوم: «ماكُنتش ساعات بفهم هو بيتكلم فى إيه.. آه أنا متعلمة بس كنت بحس أنها موضوعات علمية».
«وقتها كانت لسة مرحلة لعب عيال»، تقول أمل سامى والدة «مصطفى» واصفة سنوات التعلم الأولى لنجلها والتى كان دائم الحرص فيها على المشاركة فى الندوات والمؤتمرات العلمية والتى كان يسافر من أجلها إلى القاهرة وبقية المحافظات يتتبع أثر المخترعين الشباب والعلماء، يحاول تشكيل وجهة نظر وفكر علمى سليم.
وتقول الأم إن ابنها كان دائم التحدث طوال الوقت عن الدكتورة ليلى عبدالمنعم وهى مخترعة مصرية مقيمة فى لندن، من أبرز اختراعاتها بحيرة اصطناعية لتُستغل كقاعدة لإطلاق صواريخ فضائية، ولكنها لم تحصل على براءة اختراع واحدة من أكاديمية البحث العلمى فى مصر، رغم ذلك أطلق عليها البعض لقب «أم المخترعين»، نظراً لاختراعاتها الكثيرة، وظل يتابع أعمالها، حتى توصل «الصاوى» للبنة أول ابتكاراته العملية والتى حصل من خلالها على العديد من الجوائز «السد العربى الذكى»، والذى يقوم بتوليد الطاقة الكهربائية عبر دمج 3 مصادر للطاقة المتجددة بحيث تصل طاقة التوليد لنحو 33.1 جيجا وات/الساعة.
ظلت «أمل» تتابع مصطفى خلال رحلة العمل على اختراعه ويحاول تنفيذها عبر ثلاث سنوات، ينقحها ويعيد ترتيب معطياتها، ويقول لها بين الحين والآخر: «أنا هغيّر كذا كذا فى مشروعى يا ماما، أنا خلاص قرّبت أخلص»، كلمات ظل يرددها على مسامع الأم، ولكنها لم تكن تعيها، ولم تكن تستوعب تلك المفردات العلمية التى تصفها بالصعبة: «أنا ومصطفى كنا صحاب وكان دايما بيحكى لى على كل حاجة بيفكر فيها».
وتقول إنه كان دائم التطلع للأفضل: «كان عايز الناس كلها تتكلم عليه زى زويل والعلماء المصريين اللى شرفوا البلد»، ولكنها تقول إنه لم يكن الطفل النابغة العبقرى، ولكنه كان دائم الاطلاع والبحث والتفكير، وتقول إنه بعد تنفيذه للمشروع حصل على أول تكريم من جامعة بنى سويف وقدره 200 جنيه كجائزة فى مؤتمر بالجامعة، وكرّمه محافظ بنى سويف بعد عرض مشروعه: «كان فرحان بيها جداً». واستقبل المركز الاستكشافى بجامعة المنصورة اختراع مصطفى وتكفل برعايته فى مراحلة الأولى، حسب رواية السيدة، وأجرى عليه الكثير من التجارب: «ساعتها مصطفى كان بيخش الجامعة زيه زى الطلبة وهو عنده يدوب 15 سنة»، واستمر فى إجراء تجاربه هناك وتنفيذ المشروع بشكل أكبر وتجربته بشكل أقوى تحت متابعة رئيس جامعة المنصورة بنفسه، الدكتور سيد عبدالخالق، والذى عُين وزير التعليم العالى فيما بعد وحاول مساعدته فى مقابلة الرئيس السيسى ولكن دون جدوى.
وبعد الانتهاء من الكثير من التجارب على مشروع نجلها، تشير السيدة إلى محاولته للتقدم لجائزة الأمم المتحدة العالمية فى جنيف، فى البحث العلمى، وبعد قبوله فى المسابقة تقدم للحصول على التأشيرة مرتين ولكنه رُفض، ولم يستطع وقتها حضور مؤتمر عالمى بذلك ولم تجد «أمل» فى وسعها ما تصبّر به نجلها والشد من أزره ورفع روحه المعنوية، ولكنها وجدت أن الرئاسة تدخلت لمساعدة بعض الممثلين ولم تهتم بنجلها، حتى فوجئت السيدة ونجلها بحصوله على الجائزة الأولى كأفضل باحث عملى فى العالم، بمؤتمر جنيف عام 2014: «خدها وهو قاعد جنبى وحتى بلده ماساعدتوش يروح يتكرم هناك»، وحصل وقتها على الجائزة من سفارة إنجلترا بالقاهرة بحضور المتحدث باسم الخارجية السفير بدر عبدالعاطى.
لم يتملك اليأس من «مصطفى» ووالدته، فظل يبحث عن تمثيل بلده والمشاركة باختراعه فى الكثير من المؤتمرات، وحسب رواية السيدة، تقدم للمشاركة فى جائزة البحث العملى فى الشرق الأوسط فى الكويت، والتى فاز بها العام الماضى ورفع اسم مصر: «ساعتها اشترى علم 5 متر ورفعه فى وسط القاعة بعد حصوله على المركز الأول»، وتشير السيدة إلى أنها نفس الجائزة ونفس المسابقة التى حصل فيها على المركز الأول لهذا العام ولكن باسم الإمارات ورفع علمها، وتقارن كمّ الحفاوة فى استقباله بعد حصوله على الجائزة فى الإمارات، وكمّ الإهمال من مصر حين حصل عليها باسمها: «فى مصر أكنّه ميت ووجب دفنه.. وفى الإمارات كان عريس الكل فرحان بيه».
تابعت «أمل» أنه بعد حصول نجلها على جائزة الكويت وجنيف، دُعى لأكثر من مؤتمر وندوة فى جامعة المنصورة، وكان الطلاب يلقبونه بالدكتور الصغير، وهو ما أزعج الكثير من الأساتذة فى الجامعة ورفضوا ذلك وبدأوا فى معاملته معاملة سيئة، حينها استقبلت السيدة نجلها بعد عودته باكياً، وطلب منها مساعدته فى ترك مصر والبحث عن مكان آخر ليكمل دراسته وتعليمه: «ابنى اضطهدوه فى جامعة المنصورة.. كل ده عشان الطلاب كانوا بيقولوا له يا دكتور.. كانوا مستكترين عليه إنه لسة عنده 17 سنة وبيخش الجامعة وبيعمل تجاربه وأبحاثه فى معامل الجامعة زيه زيهم». بدأت أمل ومصطفى فى البحث عن وسيلة للسفر للخارج، لاستكمال تعليمه، وكان أول الأماكن التى رحبت باستقباله أستراليا، وتقول الأم إنهم وافقوا على طلبه ووفروا له تعليماً طوال سنوات الجامعة وحتى تخرجه وحصوله على الدكتوراه على نفقتهم الخاصة ورعاية ابتكاراته، ولكنهم طالبوه بالاستغناء عن الجنسية المصرية أولاً، وهو ما رفضه الصاوى نهائياً، وعدل عن فكرة السفر إلى أستراليا.
فكر «الصاوى» فى السفر إلى أمريكا، ولكن أصرت السيدة أن تكون الأسرة التى يعيش فى وسطها أسرة مسلمة، ولكنها فوجئت بحجم المبلغ المطلوب لاستكمال تعليمه حتى الوصول للجامعة، وهم وافقوا على تحمل تكلفة الحياة الجامعية وما بعدها: «تقريباً استكمال تعليمه لحد المرحلة الثانوية هتصل لـ250 ألف جنيه خلال سنتين»، حيث لا تستطيع الأسرة تحمل تلك التكلفة الكبيرة.
بدأ الطالب يغير من تفكيره بعدما أُغلق طريق السفر لأى دولة غربية فى وجهه، وكان قراره بالبحث عن دولة عربية، وبالأخص الإمارات التى عاشت فيها الأسرة عاماً مع والده، ولكنهم لم يستطيعوا العيش فيها بسبب غلاء المعيشة هناك، ويقرر المخترع المصرى الذهاب لهناك لاستكمال تعليمه الثانوى، والعودة لتحقيق حلم والدته فى الالتحاق بكلية الهندسة.
وتقول إن مدرسة المتفوقين بدبى والتى يترأس مجلس إدارتها أحد المصريين، قدم لمصطفى خصماً للمصروفات، مع إمكانية عدم الالتزام فى الحضور، نظراً لنبوغه وتفوقه العلمى، بعدما قدم الشاب السيرة الذاتية لهم، وعلموا بما حصل عليه من جوائز. عام واحد قضاه نجلها فى الإمارات شملوه بكل الرعاية هناك، وتكفلوا بإتاحة الفرصة له لاستكمال ابتكاراته.
«ابنى لو راح ورفع علم أمريكا ماكنش حد قدر يتكلم»، مشيرةً إلى أن الكثير من العلماء المصريين حصلوا على الجنسية الأمريكية وعاشوا ووهبوا كل اختراعاتهم لدولة أمريكا، ولكن فى النهاية الإمارات دولة عربية شقيقة، وليست دولة معادية، لم يذهب مصطفى إلى إسرائيل ولكنه ذهب لدولة من المفترض أنها على علاقة طيبة وقوية وتساعد مصر والمصريين دائماً.
تحاول السيدة تذكر الولاية والجامعة الأمريكية التى أبدت استعدادها لاستقبال نجلها فلا تتذكر فترفع هاتفها وتتصل به، يخبرها ببعض من أخباره والتى تنفرج لها أساريرها، وتقول له: «ربنا معاك يا بنى ربنا معاك يا ضنايا».
وعبر الهاتف يقول مصطفى لـ«الوطن»، إن البعض بعد حملى علم الإمارات بدأ فى التشكيك فى اختراعى، الذى مر على لجنة فى جنيف لا تسمح بوجود مجال للشك فى تحكيمها سواء بالحصول على الجائزة الأولى أو القبول بالمشاركة فى المسابقة من الأساس، بجانب لجنة التحكيم العربية فى مسابقة أفضل باحث عربى بالكويت والإمارات.
رغم الكثير من التشكيك التى طال ابنها ولكنها تقول إن كل ما يهمها هو مصلحة نجلها، مشيرة إلى أنه رغم ما أحدثته صورته بعلم الإمارات، لم يتصل مسئول مصرى واحد بها ليعرف حقيقة ما حدث من إهمال لنجلها خلال السنوات الماضية.
وتقارن السيدة بين ما لقيته هى ونجلها حين رفع علم مصر خلال حصوله على جائزة أحسن باحث عربى، فلم يذكره أحد ولم يهتم به أى شخص، فى حين لم يتوقف الحديث عنه لمجرد أنه رفع علم دولة عربية، ولا تجد السيدة غضاضة فى حصوله على الجنسية الإماراتية: «ابنى بيدوّر على مستقبله والمفروض بلده هتدعمه أو حتى تسيبه يدوّر على مستقبله بطريقته».
بدأ الشاب فى العدول عن البحث العلمى، بعدما تعرض لتلك الحملة القوية بالتشكيك فى وطنيته، وتقول الأم إن نجلها يبحث عن الالتحاق بكلية الحقوق بدلاً من استكمال البحث العملى، ليبعد عن ذلك اللغط.
«مصطفى» مع مسئول إماراتى