رحلة «كوب مياه نظيف» من «أسوان» إلى «الشلاتين»
رحلة «كوب مياه نظيف» من «أسوان» إلى «الشلاتين»
توصيل براميل المياه إلى المنازل
«ابن النيل» ليس اسماً عادياً وسط قبائل حلايب وشلاتين، ولكنه لقب يتلفحون به بزهو شديد، ينبع من إيمانهم أن النيل مصدر الخير، ويدعون به ضيوفهم من باب الكرم: «أهلاً بك يا ابن النيل»، ولكن أبناء النيل فى مثلث حلايب وشلاتين يتوقون شوقاً لشرب مياه من النهر العظيم، تأتيهم عبر طريق يربو على 500 كيلومتر من محافظة أسوان حتى تصل إليهم فى مدينتى حلايب وشلاتين.
بلحيته الكثيفة، وبشرته السمراء، يقف الشيخ «نور على حسين»، ابن قبائل البشارية، فى انتظار عربة المياه التى تأتى للمدينة كل يومين، حيث يستقبلها ليفرغها فى خزان تحت الأرض يمتلكه الرجل ويبتاع منه المياه فى «براميل» زرقاء إلى أهل القرية، 35 جنيهاً للبرميل شتاءً و45 صيفاً.
يدخل «حسين» لمنزله، ويحضر زجاجة مياه، يظهر عليها الاصفرار جلياً: «دى ميّه يرضى حد يشرب منها ولا ياكل بيها؟!»، ويقول إن ما يدفعه كل مواطن فى الشلاتين هو ثمن تكلفة نقل المياه تلك المسافة الطويلة من أسوان وحتى تصل إلى الشلاتين: «يدوب تمن الجاز وإكرامية السواق والعربية».
بدأت قصة المياه منذ زمن الإدارة السودانية، حسب رواية «حسين»، حيث كان يأتى مركب من مدينة السويس محمل بخزان كبير من المياه المحلاة لأهالى الشلاتين، ولكن مع دخول الجيش فى مطلع التسعينات وسيطرته على المنطقة ورحيل الإدارة السودانية وقعت أزمة مياه، حيث طلعت السفينة ولم تصل فى ميعادها مما سبب أزمة عطش لأهالى المثلث، وكان يوجد فى المثلث بئرا مياه صالحان للشرب، وهما بئر «الجاهلية» وبئر «العسيرة»، وهما لم يكفيا الأهالى، خاصة فى ظل انتعاش التجارة بين مصر والسودان ووجود الكثير من التجار يعملون هنا من السودان.
ويروى «حسين» أنه حينها قام شيخ قبائل البشارية، الشيخ على عمارة، بتوجيه عدد من شباب القبائل للتوجه إلى أسوان وإحضار جرار مياه لحل أزمة العطش، وأحضروا جراراً كبيراً لحل الأزمة، ومن وقتها وبدأت عملية شراء المياه من أسوان، ولكن مع إنشاء محطة لتحلية مياه البحر لم يستطع الأهالى الاستغناء عن شراء المياه، حيث تصلهم مياه المكثف، التى يطلقون عليها مياه «كنداسة»، غير صالحة للشرب لذلك يستخدمونها لأغراض النظافة فقط، ومن وقتها ولم تنقطع رحلة المياه من أسوان إلى الشلاتين.
داخل قرية الصيادين، الشيخ أدروب محمد صالح، من قبيلة العبابدة، يقف إلى جانب خزانه الجديد، للتو أفرغ نقلة المياه الأولى له بعد تجهيز الخزان، ويوجه العامل بالاهتمام بالنظافة: «الخزان لو مش نضيف محدش هيشرب من عندنا». «أدروب»، ابن قبيلة العبابدة، يقول إن ثمن نقل المياه من أسوان إلى الشلاتين يتكلف 5 آلاف جنيه، ولذلك يبحث عن مصدر لنقل المياه من صنبور بمحافظة قنا، حيث قديماً كانت لا تزيد على نصف هذا الثمن 2500 جنيه، ولكن زيادة سعر الجاز وتكلفة المياه نفسها زاد من سعر نقلها إلى هنا، مشيراً إلى أن مياه التحلية لا تصلح بسبب زيادة نسبة الأملاح، بخلاف الصدأ الذى يحط على خزانات المياه: «الصدأ ينزل فى الحنفيات للناس». ويقول «أدروب» إن جرار المياه يحمل من 50 طناً إلى 60 طن مياه من نهر النيل، يأتى ليفرغ المياه فى الحوض الذى بناه تحت الأرض.
على لسان يخترق شاطئ البحر الأحمر، يقف الشاذلى جاد الله، بالقرب من مواسير شفط المياه لمحطة التحلية، الشاب الثلاثينى يعمل مديراً لمحطة تحلية مياه البحر، ويؤكد أن الأزمة ليست فى زيادة نسبة ملوحة مياه المحطة ولكن شبكة المواسير التى تنقل مياه المحطة قديمة ومتهالكة والخزانات مملوءة بالصدأ، وهو ما يتسبب فى تلوث المياه.