معاناة عائلة «مختار»: من 8 آلاف لـ800 جنيه.. آخر «خدمة الغُز»
معاناة عائلة «مختار»: من 8 آلاف لـ800 جنيه.. آخر «خدمة الغُز»
أصحاب «المعاشات» يعانون من الظروف المعيشية
ما إن بلغ الرجل عامه الستين، حتى تبدلت ظروفه من حال إلى حال، لم يعد يحافظ على لياقته كما فعل طوال سنوات عمره، بات جلوسه فى المنزل هو ملاذه الوحيد للهرب من لقاء أصدقائه وأقاربه خوفاً من إنفاق مصاريف تعود عليها سنوات.. يعتبر الغرب أن بلوغ الرجل سن المعاش هو بداية لحياة جديدة لها سمات أفضل هدفها البحث عن وسائل الترفيه والراحة، بينما اختلف الأمر لدى «مختار. ز»، حتى إنه يخشى ذكر اسمه أو تصويره لما يراه من إهانة فى معرفة ما وصلت إليه حالته بعد أن ترك عمله بحجة جلب دماء جديدة بشركته، لتتغير حياته من مدير مبيعات بإحدى شركات السيارات الشهيرة، إلى مواطن على المعاش، يتقاضى أقل من ربع راتبه كمعاش شهرى.
مدير المبيعات السابق: «كان بيتخصم من مرتبى مئات الجنيهات شهرياً».. و«الزوجة»: حُذف «صفر» من دخل زوجى فتبدلت حياتنا وتغيرت مدارس أبنائى و«انتهى عصر الرفاهية»
حكاية «مختار» وزوجته «سلمى» بدأت منذ ما يقرب من 14 عاماً، تبدلت خلالها حياتهما من رفاهية اعتادا عليها هما وأبناؤهما الثلاثة، إلى البحث عن حد الكفاف للحفاظ على المظهر الاجتماعى بأقل الموارد الممكنة، من 8 آلاف جنيه راتباً شهرياً آخره كان فى عام 2002، إلى معاش لا يتعدى الـ850 جنيهاً هى كل نصيبه مما دفعه طوال سنوات عمله كضرائب وتأمينات.
بدأت رحلة الأسرة مع المعاناة عندما أعلنت إدارة شركته عدم التجديد له فى عمله، لضخ دماء الشباب فى المناصب الكبرى، جاء الخبر عليهم كالصاعقة، المشهد لم يحتمل الرجل السبعينى وصفه فتولت زوجته هذا الدور نيابة عنه، كما قامت وقتها بالسعى فى إجراءات المعاش نيابة عنه أيضاً بعد إصابته باكتئاب شديد. تسترجع «سلمى» أول يوم إجراءات معاش منذ 14 عاماً: «كأننا عشنا فى كابوس مش قادرين نصدقه، يمكن بدأنا نتعافى منه فقط منذ سنوات قليلة، عندما تأقلمنا مع الوضع الحالى، أول شىء كان كل هدفى أن أكون بالفعل الست المُدبرة التى لا تشعر زوجها بأى تقصير فى البيت، فلم أطلب من زوجى السعى فى الإجراءات والروتين لاستخراج معاش محترم، بل كنت أتوجه إلى المصالح الحكومية وحدى، وأتركه مع أبنائنا وقتها كانوا كلهم فى سنوات الدراسة المختلفة، صدمتى الأولى عندما سمعت من إحدى الموظفات بالتأمينات بعد لف أسابيع لإنهاء الإجراءات، أن معاش زوجى سيكون 800 جنيه، وقتها لم أشعر بقدمى، وطلبت من الموظفين المتراصين فى المكتب أن يعطونى كرسى وإلا سأسقط حالاً، تفاجأ الـ15 موظفاً وبصوا لى باستغراب وذهول شديدين، لم أفهم نظرتهم إلا فيما بعد، صمت ساد المكان للحظات ثم قامت إحدى الموظفات بسؤالى عن راتب زوجى قبل المعاش، فأجبتها على مسمع ومرأى من الجميع بحسن نية وفى اعتقادى أنها تحتاج الرقم لوجود خطأ فى الأوراق المقدمة وقلت لها 8 آلاف جنيه، تحولت النظرة من الذهول إلى انبهار، طبعاً 8 آلاف جنيه وقتها كان مبلغاً كبيراً كراتب شهرى، خاصة من وجهة نظرهم كموظفى حكومة، شعرت أننى أخطأت فيما قلت، انتهى المشهد بقيام ملاحظة المكتب بقول جملة واحدة: (احمدى ربنا إن اتعمله معاش 800 جنيه ده معاش بهوات)، العادى هنا بيكون 200 أو 300 جنيه، وقولى لجوزك يستعوض ربنا فى مرتبه اللى مش هياخده تانى».
تلتقط الزوجة أنفاسها وهى تتمنى أن تنسى تلك اللحظات التى عرفت فيها أن هناك «صفراً» تم حذفه من راتب زوجها، ولكن ثمنه غالٍ سيكبدها معاناة كبيرة خاصة فى التعامل مع أطفالها ومستواهم الاجتماعى وكذلك زوجها الذى ما زال تحت تأثير الصدمة ويأبى قبول الواقع فى أنه أصبح مواطناً بسيطاً: «صحيح أن 800 جنيه وقتها مبلغ له قيمته بالفعل لكنه ولا حاجة بالنسبة لينا كعيلة كانت بتقبض أضعاف المبلغ، والمصيبة الأكبر أن زوجى كان دوماً يقول لى اللى بيتخصم من المرتب كل شهر ربنا يكرمنا بيه معاش لما الدنيا تغدر بينا، ولم يتوقع أن يكون نصيبه فتاتاً، بدأت أغير بعض العادات فى المنزل بداية من اشتراك أبنائى فى أحد الأندية الكبرى الذى توقفنا عن دفع اشتراكه، وتغيير مدرسة ابنى الصغير وقتها إلى مدرسة لغات بدلاً من الأمريكية، وتبدل حلم ابنى الذى كان ينوى الدراسة بالجامعة الأمريكية ليكتفى بما اختاره له مكتب التنسيق كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى من الصعب العمل بشهادتها ما لم يكن هناك واسطة».
بعد مرور تلك السنوات وصل معاش «مختار» إلى 2100 جنيه بفعل الزيادات السنوية، سنوات لم تنس فيها «سلمى» ما سعت له فى الحفاظ على أسرتها طوال تلك الفترة فتقول: «الحمد لله كبوة وعدت، المهم إن زوجى تعافى بمرور الوقت وعاد يخرج مع أصدقائه وأقاربه مرة أخرى، صحيح إن وقتها كنت أشترى الأكل على القد، وبعض العادات مثل الخروج وفسح أولادنا ورحلاتهم ألغيناها نسبياً من أجل الحفاظ على مظهرهم من حيث شكل الملبس والإبقاء على مصاريف سيارتنا، ولكن كل ما أعرفه جيداً أن هناك مشكلة كبيرة فى تقييم المعاش، نسبة وتناسب مع الراتب، الأمر يحتاج مراجعة كبيرة، مستحيل أن تخصم مئات الجنيهات من زوجى على مدار سنوات وفى النهاية يكون نصيبنا ملاليم».