آثرت عدم التعليق حتى النهاية فى موضوع الممثل أحمد مالك، ربما لأنى كنت أنظر للأمر بشكل آخر، لا يقف عند هذين الشابين وتجاوزهما الجامح وعبثهما اللامعقول، إذ إنه منذ سنوات قريبة طالعنا جيل كامل من الشباب بغضب وتجاوز وتهور وسخط لم يسبق لها مثيل، سخروا من الأجداد والآباء، سخروا من وطنهم ولاموه، سخروا من حياتهم وحياة الآخرين، تعمدوا الإساءات والتجاوزات واحترفوا البذاءات والممنوعات، هو التمرد غير المسئول والعصيان اللامقبول.
عصيان لمجرد العصيان، ورفض بهدف الرفض ذاته، وإن سألتهم عن سبب ذاك الوجع والحمق والحقد والحنق، أعادوا ترديد كلمات لا يعنون معظم معانيها وحكوا ويلات تفوق سنوات عمرهم الصغير وأفردوا مآسى هم أبعد الناس عنها، إذاً هو الغضب يتحدث ويعلن وجوده على لسان أحداث صغيرة السن والخبرة، محدودة التفكير، وشعار المرحلة (كل المفروض مرفوض).. أمنطق هذا؟!! أوليست العبادات بكل الأديان فروضاً؟! أتُرفَض؟!! أليس احترام الآخر فرضاً؟! أليس الخوف على الوطن وأمنه وأجهزته فرضاً؟ أليس الأمل والطموح والعمل فروضاً يجب علينا الالتزام بها؟!! أليست الأخلاق فروضاً يجب المحافظة عليها!! إذاً أى الفروض مرفوضة وكيف؟!! إنه جيل للأسف مهزوم من نفسه ومهزوم من القائمين على تنشئته.
وبالرجوع لموضوع الفنان الشاب الذى هو التطبيق العملى لنظرية رفض المفروض، فإنك إن رأيت الأب وسمعت تصريحاته، علمت تماماً أى الأبناء ينتج، فقد خرج علينا مالك حزيناً غاضباً متبرئاً من ابنه، صابّاً عليه لعناته وجام غضبه، لحظتها فقط أشفقت على ذاك الأحمد، أن أباه ليس أباً بالمعنى المعتاد أو المعنى الواجب، فالأب أيضاً رافض غير راضٍ، لهذا أظن أن الابن لم يكن له سبيل إلا أن يكون هكذا، مشتتاً، غاضباً، كارهاً، عابثاً، متجرداً من إنسانيته تجاه جنود يؤدون واجبهم بكل رضا وروح طيبة، يموتون لأجل وطنهم مبتسمين راضين، دون حقد دون غضب دون لعنات وتجاوزات ولا (دلع ماسخ).
هنا أيضاً توقن أن نقود العالم لا تستطيع تقويم أو إصلاح أو إرضاء هذا الأحمد، وأن عطاءات الدنيا لن تغنيه، فهو فقير غاضب حد الانحراف. إن الدمار ضارب فى الأعماق، يجتث أرواح وإنسانية ورحمة ذاك الجيل، وليس الأمر فقط بخصوص أحمد مالك، بل هناك ملايين «الموالك» بمصر. هذا الجيل ضحية لجيل من الآباء يتكرر يومياً، وضحية بيوت خربة، تصفر بها رياح الإهمال، وضحية عدم التنشئة الصحية الصالحة، من تربية والتزام وعمل وأحلام مشروعة وطموحات سوية.
عندما قال الشاب: «أنا محبط سياسياً، فهو صادق، هو محبط ولكن إنسانياً، تعيس، فزع، مجوف النفس، فقير الوجدان، بل معدم، وبالمناسبة هكذا تركيبات وتكوينات نفسية تكون مشاريع إرهابية وصيداً ثميناً للجماعات المتطرفة، الذين يلتقطون هذه الأصناف لجهلها وتسطيحها الفكرى الواضح، لأنهم يكونون عجينة لينة، يسهل تشكيلها وإيداع سموم الأفكار بها، فغالباً ما يتوق هؤلاء الضائعون إلى الأمان والراحة النفسية التى تنقذهم من ضياعهم، ولأنهم لم يتعلموا كيف تكون الاستقامة المعتدلة وما هو الطريق الصحيح لبشر يعمل ويعمر الكون فيسهل إقناعه ومن على شاكلته أن طريق الهداية (هو الحل) ولكن أى هداية!!! إنها الهداية الإرهابية المتطرفة، حينها ترى شياطين تتلقف شياطين والويل كل الويل لمن يقع بين فكى الاثنين.. وبكل الأحوال تكون نهاية هكذا عينات بشرية، إما أن يبقى طفل بالونات غاضباً، أو مشروع إرهابى قاتل أو ضحية منتحرة بجرعة مخدر زائدة، نهايات محتومة لبدايات غير محسومة.
الخواء والفراغ التربوى والمجتمعى والتوعوى والإعلامى والتعليمى، لا بد أن تكون هذه نتاجاته ومخرجاته، وعندما يتحكم الضياع بجيل الآباء متمثلاً بالرشاوى والاختلاسات وانعدام الضمير والانحدار الأخلاقى، وفى أفضل الحالات الانشغال عن تربية وتقويم الأبناء، فكيف تكون النتيجة؟!!
وبالنهاية أيها الشعب العاطفى، الموضوع لا يتطلب مشنقة تنصب للابن الضال المتبجح ولا آلة لفرم ذاك الجيل الخرب، ولا بقبول اعتذارات حمقاء من عدمه!!! لأن الموضوع أعمق وأخطر وأكبر بكثير، فهذه الأمثلة السلبية تظهر يومياً.
المجتمع بأكمله يحتاج لتقويم فورى، وحيث إن نظريتى التى أقنع بها كثيراً تقول: إن من كبر وأنشئ على شىء سوف يموت عليه، (إلا من رحم ربى) لهذا فالأمل بالطفولة، بالأطفال الذين لم يلوثوا وجدانياً ووطنياً وفكرياً بعد، لهذا لا بد للدولة من فهم هذا الأمر جيداً، ومن ثم عليها أن تقوم بواجبها على أكمل وجه، بتربية وتنشئة مواطن صالح يفتقد القدوة المنزلية والأسرية، وذلك عن طريق مراجعة وزارات كالإعلام والتربية والتعليم والثقافة والفنون ولا ننسى المؤسسات الدينية وتطوير الخطاب الدينى بحق وبعقل وحكمة واعتدال.. فيا دولة رب رعاياك.