طالعتنا المواقع الصحفية بصورة للدكتور هشام قنديل رئيس الوزراء أثناء تبرعه بالدم فى مستشفى المعادى العسكرى، والسؤال الذى يطرح نفسه هل هذا كل ما يستطيع رئيس الوزراء أن يقدمه بعد كارثة قطار البدرشين، خاصة أن كارثة القطار الأخيرة سبقتها ست كوارث للقطارات فقط وهذه هى السابعة خلال ستة أشهر؟
لقد يئسنا من التحذير من وقوع حوادث القطارات وآخرها ما يتعلق بكارثة قطار أسيوط، الذى راح ضحيته أكثر من خمسين ضحية معظمهم من أطفال مصر، ونشرنا فى هذا المكان بتاريخ 22/11/2012 عقب الكارثة، وختمت مقالى بعبارة: «فبعد كوارث قطار الصعيد والعبّارة والدويقة وقطار الفيوم وقطار أسيوط، من حق هذا الشعب أن يتولى أمره مسئولون أكفاء تملى عليهم ضمائرهم الإحساس بالمسئولية تجاه الناس، وألا يتولى المسئولية إلا من هو جدير بها».
والسؤال الذى يطرح نفسه هل يمكن أن يكون تحمل المسئولية بالإكراه؟ هل رئيس الوزراء واقع تحت الإكراه حتى يتحمل مسئولية لا قبل له بها؟ وهل يرضى ضميره أن يستمر فى تحمل المسئولية والكوارث تتوالى وذات السيناريو يتكرر من تعويضات للضحايا وتشكيل لجان للتحقيق وعلى الأكثر استقالة الوزير المسئول؟
إن وزير النقل الحالى تم تعيينه منذ أيام، فعلى أى أساس تم هذا التعيين؟ هل تقدم مثلاً بخطة للنهوض بالسكك الحديدية من أجل القضاء على الحوادث الكارثية للقطارات، وعلى أساس هذه الخطة تم اختياره؟ وهل كان للوزير الجديد دراسات أو أبحاث أو حتى مقالات تقدم حلولاً لمشاكل النقل فى مصر وعلى رأسها انهيار مرفق السكك الحديدية؟ بالطبع شيئاً من ذلك لم يحدث، ولكن اختيار المسئولين عشوائياً وارتجالياً وبإعمال معيار الولاء دون الكفاءة هما السبب فى كل هذه الكوارث.
بالطبع أنا لا أحمل الوزير الجديد مسئولية الحادث، فلم يمضِ على تعيينه إلا أيام، ولا لرئيس الوزراء قليل الحيلة، ولكن المسئولية الكبرى تقع على رئيس الجمهورية وحده لأنه هو الذى اختار رئيس الوزراء، وهو من بيده جميع السلطات، ولا شىء يعوقه مطلقاً عن تحمل المسئولية؛ فلا إعلان دستورى يقيده ولا مجلس عسكرى يشاركه ولا برلمان يناكفه ولا قضاء يراقبه! ومن ثم فإن من ينفرد بالسلطة عليه وحده تحمل المسئولية، ولكن كيف لنا أن نحاسب رئيس الجمهورية على هذه الإخفاقات الكارثية المتتالية؟
ها هو الدستور الجديد قد تم تمريره، فليدلنا أحد المروجين له عن كيفية محاسبة الرئيس وآليات هذه المحاسبة وكيفية إعمالها الآن، وقد يسأل سائل وما ذنب الرئيس ليتحمل كل ذلك؟ الإجابة أن الرئيس طائعاً مختاراً وبكامل إرادته قد تقدم لتحمل المسئولية،فإذا لم يكن يعرف تبعاتها، ولا يعرف حجم المشاكل التى تعانيها مصر ولا يملك القدرة على حلها -وهذا ما أثبتته الأيام- فإنه يكون قد ارتكب خطأً جسيماً فى حق الوطن وفى حق الشعب، وإن كان يعلم حجم المسئولية وتبعاتها والمشاكل التى تمر بها مصر وعجز عن حلها، فعليه أن يترك منصبه للأصلح. والملاحظ أن الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة جميعهم لم يدركوا بعد أن حجم المسئولية يفوق قدراتهم وأن الأحمال ثقيلة جدا عليهم منفردين، ومع ذلك يصممون على الانفراد بالسلطة. فإذا تحدثنا عن المسئولية المرادفة للسلطة رموا بها على المعارضة، فهى -أى المعارضة- مسئولة عن كل المصائب التى تحدث فى مصر، فهى سبب عدم الاستقرار، وهى سبب التدهور الاقتصادى، وهى سبب تدهور قيمة الجنيه المصرى، ولا أستبعد صدور بيان من الحكومة يحمل المعارضة مسئولية الكوارث الناجمة عن الفساد والإهمال وسوء الإدارة، ومن ثم كوارث القطارات.
إن الأرواح التى أُزهقت والدماء التى أُهدرت على قضبان القطارات فى مصر لن يعوضها نصف لتر من دماء رئيس الوزراء ولا تعويضات الحكومة ولا اعتذار الرئيس، والحساب الحقيقى سيكون بين يدى الله سبحانه، فهذه هى المسئولية الحقيقية والكبرى، التى لن يستطيع أن يتهرب منها أحد سواء بدستور أو بقانون أو بإعلان دستورى.