جيلى أحب وعشق السينما على أيدى مخرجين مصريين مبدعين عظام. وكانت البداية من صلاح أبوسيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ وهذا الجيل الرائع، لكن هناك جيلاً مختلفاً أدهشنا بسينما مختلفة سحرتنا وصدمتنا واستفزت بذور التمرد فينا، كان على رأس هذا الجيل محمد خان الذى رحل عنا أمس وودعنا وهو الذى لم يكمل حلمه ومشروعه السينمائى بعد، رحل كما رحل من قبله رفيق رحلته وخليل جيله عاطف الطيب. للأسف لم أكن قد شاهدت فيلم «فتاة المصنع»، ولكنى شاهدت ماكينة الأحلام التى عمل عليها ونسج لنا من خلالها مجموعة من أهم أفلام السينما المصرية التى صارت من الكلاسيكيات. الفنان المصرى جداً محمد خان الذى حصل على الجنسية مؤخراً بالرغم من أنه كان يعشق تراب مصر أكثر من كثيرين يحملون بطاقات هوية مصرية وهم لا ينتمون إليها إلا بشهادة الميلاد، المخرج الجميل الذى لم يخُن فنه أبداً فى وقت صارت فيه الخيانة وجهة نظر، المصرى روحاً ووجداناً وعقلاً وعقيدة وفناً والذى لم يكن يحتاج إلا إلى مجرد توثيق وختم نسر وتوقيع اتنين موظفين لكى يتسلم شهادة توثق الانتماء ولكنها لم تصنع هذا الانتماء الذى كان متحققاً بالفعل، محمد خان عاشق التفاصيل وساكن المنمنمات وصانع الأرابيسك، يصنع فيلمه بروح صنايعى خان الخليلى ويرسم كادراته ويختار أماكنه بروح فنان تشكيلى من عصر النهضة. ما زلت أتذكر انبهارى بفيلم الحريف، هذا الصعلوك اللاهث مع الكرة الشراب، ابن البلد العابث مع مراهناتها التى تنعكس على كل تفاصيل حياته فتجعلها مقامرة خاسرة دائماً. ما زلت أحلم أحلام هند وكاميليا البسيطة المتواضعة التى سقفها كسرة خبز وسقف ودفء زوج وطبطبة زمن ضنين ورأس مالها حفنة قروش من خدمة البيوت. ما زال محفوراً فى وجداننا هذا الضابط المتقاعد فى زوجة رجل مهم والذى توقفت عقارب الزمن البيولوجية لديه عند زمن الضابط الباشا الحاكم بأمره وما بين حبل السلطة والهيلمان الذى يشده شرقاً وبين حبل الواقع والحقيقة الذى يشده غرباً تمزق الرجل.
محمد خان.. حتوحشنا، وإذا كان حلمك السينمائى قد انقطع فإنه سيكتمل بعشاقك وعشاق فنك ممن تتلمذوا على يديك وشاهدوا مصر بعينيك وأحبوا السينما من خلال تفاصيل فنك المدهشة