هذه دعوة للأطراف المشاركة فى السياسة المصرية، حكماً ومعارضة وحركات احتجاجية، إلى الانتباه قبل فوات الأوان إلى حقيقة محدودية أدواتهم وغياب فاعليتهم وانهيار مصداقيتهم لدى قطاعات شعبية واسعة. فالحكم، الرئيس وجماعته وحزبه وحكومته، يوظف فى تعاطيه مع الأزمة الاقتصادية الضاغطة والاحتقان السياسى المتصاعد أدوات التسويف والتأجيل، وبها يبتعد عن اتخاذ قرارات حقيقية، ويشن حروبه الإعلامية على معارضيه ويمكن الأمن من ممارسة العنف المفرط دون محاسبة. والمعارضة تختزل أدواتها فى إصدار البيانات والتوقيع على الوثائق (أو نفى التوقيع والتنصل منه) والتنادى إلى التظاهر السلمى، دون تقديم رؤية بديلة متكاملة لإدارة شئون البلاد. والحركات الاحتجاجية تستدعى ذاكرة ثورة 25 يناير 2011 وتخرج فى جُمع متتالية مطالبة «بالقصاص والرحيل والإسقاط وتغيير النظام»، غير معنية بتكرر مشاهد «زجاجات المولوتوف» وانتفاء قدرة قطاعات شعبية واسعة على تحمل المزيد من «اللا اعتيادية» فى حياتهم اليومية.
سياسة كهذه مآلها الجمود والانهيار وبحث المجتمع الذى يفقد تدريجياً الأمل فى التغيير الإيجابى عن طرق أخرى، على الأرجح غير سلمية، لإدارة شئونه العامة وتوزيع الموارد بين مواطناته ومواطنيه. وهنا تفتح أبواب جهنم؛ سيناريوهات العنف والفوضى وانهيار الدولة وحرب الكل ضد الكل. وهنا يتعطل سعى المجتمع إلى بلوغ غاياته العليا متمثلة فى الحرية والعدالة والمساواة واحترام الحقوق وسيادة القانون. سياسة كهذه لا منتصر بها، بل الكل من بين أطرافها يخسر ويهمش وربما يلغى وجوده.
هذه دعوة للحكم والمعارضة والحركات الاحتجاجية لإعادة النظر فى أدواتهم السياسية وتجاوز محدوديتها الراهنة وخطر الجمود والانهيار المرتبط بها.
لا أفهم إصرار الحكم على رفض إقالة حكومة فاشلة فى إدارة الأزمة الاقتصادية وتتحمل معه المسئولية السياسية عن العنف المفرط الذى تورط به الأمن خلال الأيام الماضية فى بورسعيد والقاهرة والغربية.
لا أرى سبباً مقنعاً لاكتفاء المعارضة بإصدار البيانات والتنادى للتظاهر وابتعادها عن الاستثمار فى جهد منظم لتقديم حلول للأزمة الاقتصادية والتحرك على الأرض لبناء قواعدها الشعبية. تستطيع المعارضة، اليوم إن أرادت، الدعوة إلى مؤتمر وطنى يشارك به المختصون بالاقتصاد والنقابات العمالية والمصالح الصناعية والتجارية والمالية والاستثمارية وتكون مهمته صياغة رؤية لإدارة الأزمة الراهنة والخروج من نفقها المظلم.
لا أجد مبررات كافية لغياب الخيال السياسى عن الحركات الاحتجاجية التى يمكن أن تطور أدواتها بجانب التظاهر والاعتصام باتجاه تفاعل من نوع آخر مع القطاعات الشعبية (توعية ومساعدة أهلية ومشروعات تنموية صغيرة).
إلى الحكم والمعارضة والحركات الاحتجاجية: استفيقوا قبل فوات الأوان.