لقد أصبح رقم «٢٠٠ مليار دولار» هو الأشهر والأكثر تداولاً فى الآونة الأخيرة عند الحديث عن الطموحات الاقتصادية فى مصر، وقد تردد هذا الرقم فى ثلاثة مواضع على وجه التحديد، الأول كان وقت انتخابات الرئاسة، حين أكد الدكتور مرسى آنذاك أن مجموعة من الشركات الأجنبية قد وعدت باستثمار «٢٠٠ مليار دولار» فى مصر خلال أربع سنوات، واعداً الناس برخاء اقتصادى فى عهده، الثانى كان وقت الحديث عن الصكوك حين أكد بعض الخبراء آنذاك أن قانون الصكوك سيجلب «٢٠٠ مليار دولار» لمصر خلال عام، ثم تم تعديل التوقع ليكون خلال أربعة أعوام. أما الثالث، فكان فى الأيام القليلة الماضية وقت الحديث عن تأجير المناطق الأثرية لمستثمرين أجانب (إن صحّت هذه الأخبار) وأنها يمكن أن تجلب أيضاً «٢٠٠ مليار دولار» للدولة. صدفة عجيبة أن كل المشروعات التى تُطرح فى عهد الإخوان ستجلب نفس الرقم وهو «٢٠٠ مليار دولار».
إن نظرية المؤامرة التى يطبقها الكثير من الناس حالياً على كل ما يحدث فى مصر، تقضى بأن هناك فعلاً «٢٠٠ مليار دولار» فى مكان ما وعد بها الإخوان أحداً ما بخصوص أول «٢٠٠ مليار دولار»: لسنوات متعددة قبل الثورة تراوح متوسط الاستثمار الأجنبى المباشر سنوياً من ٨ إلى ١٠ مليارات دولار، وقد انخفض الاستثمار الأجنبى بعد الثورة لقرابة الصفر، وبالتالى ليس من المعقول أن يزيد بعد تولى الإخوان مقاليد الحكم لخمسة أضعاف ما كان عليه قبل الثورة. أما عن ثانى «٢٠٠ مليار دولار»: فنجد أن إجمالى سوق الصكوك العالمى بلغ ٣٠٠ مليار دولار بنهاية ٢٠١٢ ويتوقع زيادته إلى ٩٠٠ مليار دولار بنهاية ٢٠١٧، وقد تصل حصة مصر إلى ١٠-١٥% من السوق أى ١٠٠ إلى ١٥٠ مليار دولار بنهاية ٢٠١٧، تبدأ بحصة منخفضة، ثم تزيد بمرور الوقت، وبالتالى ليس من المعقول أن تستطيع الصكوك أن تجلب هذا الرقم فى عام أو حتى فى أربعة أعوام.
وأخيراً ثالث «٢٠٠ مليار دولار»: حتى إن تم الموافقة على قانون تأجير المناطق الأثرية لمستثمرين أجانب حتى إن شمل ذلك المناطق الأثرية الرئيسية فإنها لا يمكن أن تجلب هذا الرقم الكبير حتى على عشر سنوات، فهذا يعنى ٢٠ مليار دولار سنوياً.
ترويج هذه الأرقام له عواقب وخيمة لعدة أسباب:
أولاً: الاستمرار فى ترويج الوعود الاقتصادية التى لا تتحقق يفقد الناس الثقة فى السلطة وما تستطيع فعله وما تعد به.
ثانياً: صدفة «٢٠٠ مليار دولار» العجيبة حولت وعود السلطة الاقتصادية وأحاديثها لأضحوكة يتحاكى بها الجميع.
ثالثاً: ربط بعض الأدوات والهياكل المالية الجديدة مثل الصكوك وتأجير المناطق الأثرية وغيرهما بأرقام خيالية لا يمكن تحقيقها يقتل هذه الأدوات والهياكل المالية على الرغم أن بعضها قد يكون مفيداً.
لذلك على من يحكم مصر أن يعيد النظر فى الوعود الاقتصادية من حيث المضمون والترويج الإعلامى لها سواء خرجت بشكل رسمى أو بشكل من هو قريب منها، فيجب أن تتم استشارة أهل الخبرة بدلاً من أهل الثقة والتأكد من القدرة على التنفيذ قبل التصريح بهذه الوعود الخيالية، فإن استمرارية ظاهرة الوعود الخيالية التى لا تتحقق يكسب السلطة صورة ذهنية شديدة السلبية حتى تتحول لقناعة وثيقة ويفقد الناس الثقة فى السلطة وهو ما لا يحمد عقباه.