لا يوجد لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم «داعش» فى مصر، تنظيم بالمعنى الهرمى (قيادة مركزية.. مجالس شورى.. كوادر وسطية حاكمة.. اجتماعات دورية) سواء فى سيناء أو غيرها من المحافظات المصرية، وإنما توجد «فكرة» آمن بها «الإسلاميون المصريون»، وتحديداً جماعة الإخوان التى تلاقت مع هذه «الفكرة» فى إجازة قتال «الدولة المصرية»، بعد تكفير نظامها الحاكم ما بعد عزل «محمد مرسى» وتكفير وقتال طوائفها الممتنعة (الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والأقباط).
لذا فإن «داعش» تعتبر كل من يقوم بعمل تفجيرى ومسلح ضد الأهداف التى تدعو لقتالها فى أى مكان ينتمى إليها «فكرياً»، حتى وإن كان منتمياً «تنظيمياً» لجماعة أخرى، وهو الأمر الذى يفسر تبنيها للغالبية العظمى من عمليات العنف فى العديد من دول العالم، وهى ذات الفلسفة التى أعلنت من خلالها تبنى عملية تفجير الكنيسة البطرسية.
الدليل هو أن البيان السطحى الصادر بحق الحادث المصرى لم يقدم أى معلومة تؤكد علاقتها التنظيمية المزعومة بالانتحارى، الذى أكد البيان زوراً نسبته إلى داعش، فلم نجد مثلاً «فيديو» يكشف بعضاً من كواليس التفجير المعتادة التى يقوم بها فى بعض الأحيان.
المعلومة الوحيدة التى ظنها البيان المقتضب دليلاً على تبنيه المزعوم للحادث هو تسمية الانتحارى أبوعبدالله المصرى، بعد أن خلع عليه اسماً حركياً من عندياته كعشرات الأسماء المُكنّاه التى يحملها أى إسلامى متطرف فى أى تنظيم، لا يعبر أبداً عن حقيقة العلاقة المزعومة، فهى كمن عرف الماء بعد جهد بالماء!
بيان «داعش» البائس عن حادث الكنيسة البطرسية ما هو إلا محاولة لا تقل بؤساً لاستثمار التفجير الموجع للمجتمع المصرى ونظامه، فى تقديم صورة مضخمة عن قوة «داعش» داخل الدولة المصرية، وهى صورة لبطل من ورق أراد من خلالها من حيث يحتسب أو لا يحتسب تبرئة الشقيقة الكبرى (جماعة الإخوان) من التورط «التنظيمى» المباشر عبر العضو «محمود شفيق» الذى ثبتت بنوة التنظيم الأم له فى الفيوم عقب القبض عليه، واتهامه رسمياً قبل ثلاثة أعوام بالانتماء لجماعة الإخوان ثم الإفراج عنه قضائياً فيما بعد.
البيان فى مجمله ما هو إلا قبض ريح، لم ينجح سوى فى توكيد العلاقة المنهجية والتكتيكية بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم الإخوان المسلمين فى مصر، وتجسيد موثق للعلاقة الفكرية المتحدة بين التنظيمين حول الحالة المصرية التى يراها كلاهما بعين واحدة، وهى كفر الدولة المصرية ووجوب قتالها.
كان لافتاً أن البيان قدم للمجتمع الدولى والرأى العام الداخلى دليلاً على صحة الرواية الرسمية التى تفرد بإعلانها الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن التفجير تم جراء عملية انتحارية وليس عن طريق قنبلة كما أسهبت وسائل الإعلام.
وإذ نقدر للبيان هذه اللفتة التى جعلت صنوف المشككين فى رواية الدولة حول الحادث يبلعون ألسنتهم لأنهم صدقوا رواية التنظيم الإرهابى بأن الفاعل انتحارى، فإن الشكر موصول للأشقاء الدواعش لحسن تعاونهم!