كان للحزب الوطنى وللنظام السابق وسائله فى إلهاء الشعب عن قضاياه الكبرى بافتعال أزمات أو فضائح لفنانين أو سياسيين أو جذب اهتمام الشعب بأزمات لاعب كرة شهير أو مباراة لكرة القدم، وفى ذات الوقت كان يُروّج للجمود والتخلف باعتباره استقراراً مع استخدامه لفزاعة الإخوان المسلمين إذا ما تمكنوا، خاصة أمام الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
ولم يكن للنظام السابق من هدف سوى الاستمرار فى السلطة وتوريث الحكم وجنى المغانم من نهب ثروات البلاد.
وقد كان هذا النظام المستبد يحتكر أغلبية البرلمان بغرفتيه وتشكيل الحكومة من أهل الثقة وجميع مقاعد المحليات وسيطرته على وسائل الإعلام الحكومية والصحف التى كانت تسمى قومية، وفوق كل ذلك منصب رئيس الجمهورية وولاء مطلق من وزير الداخلية والشرطة والمخابرات العامة وأيضاً قيادات القوات المسلحة.
ومع كل هذه العناصر لقوة نظام الحكم السابق فإنه لم يجرؤ على تحدى القضاء بشكل سافر أو يحاول إخضاعه للسلطة التنفيذية أو للحزب الوطنى بشكل صريح، أيضاً لم تشفع له كل عناصر القوة السابقة فى أن يُطيح به الشعب.
وما نراه اليوم من محاولات النظام لتركيع القضاء وإخضاعه لأهواء النظام الحاكم ومن يناصرونه -وهم فئة قليلة- هى محاولات يائسة تدعو للرثاء أكثر مما تدعو للسخط.
فقد تخيل النظام أنه يمكنه، وبعد إقصاء قضاة إجلاء عن المحكمة الدستورية العليا بنص دستورى مُرِّر رغم أنف الجميع، أن ذلك يمكن أن يُطبق على السلطة القضائية بجميع هيئاتها وقضاتها بادعاء تنظيم السلطة القضائية بتخفيض سن الإحالة إلى المعاش للقضاة من (70) إلى (60) سنة، وحين يحدث فراغ فى أعضاء السلطة القضائية يتم شغله بالعناصر الإخوانية أو بمن يناصرونهم، وبذلك يتمكنون من أخونة السلطة القضائية. فكرة ساذجة وبائسة تنبئ عن ضحالة الخيال وفقر الفكر.
صحيح أن النظام السابق كان يرفع سن المعاش للقضاة لأغراض سياسية، وصحيح أيضاً أنه يتم اليوم تخفيض سن القضاة لأغراض سياسية كذلك.
وأتصور أن ما يقوم به النظام الحالى هو صورة طبق الأصل مما كان يقوم به النظام السابق، فالأمر لا يعدو إلهاء للشعب فى أمور لا طائل من ورائها وافتعال أزمات مصطنعة للتغطية على الفشل فى الإدارة وازدياد الأزمات الاقتصادية الطاحنة من ناحية، ولزيادة التمكين الإخوانى فى الوظائف المهمة والأجهزة الحكومية دون أن يشعر أحد من ناحية أخرى.
فمن تقدموا بمشروع السلطة القضائية هم أعضاء بمجلس الشورى ينتمون لحزب الوسط، ولا يوجد أى أساس دستورى لهذا العمل، فالمادة (101) من الدستور صريحة فى أن من لهم الحق فى اقتراح القوانين هم رئيس الجمهورية والحكومة وأعضاء مجلس النواب دون غيرهم والمادة (230) الانتقالية التى أعطت لمجلس الشورى سلطة التشريع حتى انعقاد مجلس النواب الجديد قصرت الحق على التشريع دون غيره، والفارق كبير بين التشريع واقتراح القوانين، فرئيس الجمهورية والحكومة لهما حق اقتراح القوانين وليس لهم حق التشريع، والدستور يحدد السلطات حصراً فلا يمكن القياس عليها أو تأويلها.
والغريب أننا نسمع من قيادات حزب الوسط أنهم لن يسحبوا مشروع القانون ولن يخضعوا لرئيس الجمهورية.. هكذا: تمثيلية سخيفة ومفضوحة ولا تخيل على أطفال يؤديها رجالٌ يزعمون أنهم يمارسون السياسة.
ألا تعلم قيادات حزب الوسط، وأخُص منها الدكتور محمد محسوب بحسبانه أستاذاً للقانون، أن أعضاء حزبه أو أعضاء مجلس الشورى عموماً لا يملكون التقدم بالقانون أصلاً؟ حتى يُقال إنهم لن يسحبوا القانون الذى لا يمتلكون التقدم به دستورياً؟
ثم نأتى لعنوان المقال (وهم القوة)، فعلى ماذا يستند مفتعلو الأزمة أو من تقدموا بمشروع قانون السلطة القضائية؟ هل يستندون على التأييد الشعبى الجارف لنظام الحكم الآن؟! أم على الرغد والنعيم وسهولة العيش فى ظل عصر النهضة؟! أم على التفاف القوى السياسية حولهم ضد القضاة؟ ألم يقضِ هذا القضاء بعدم دستورية عشرات القوانين التى وضعها النظام السابق، أولم يشرف هذا القضاء على الانتخابات البرلمانية التى أتت بأغلبية من تيار الإسلام السياسى، أولم يشرف هذا القضاء ويُعلن فوز الرئيس محمد مرسى فى انتخابات الرئاسة، أولم يقض هذا القضاء بعقوبات السجن المشدد على كثير من رموز النظام السابق؟! إن كانت الأحكام على هواهم فهو قضاء شامخ ونزيه، وإن كانت لمصلحة المشروعية الدستورية وتَعارُضها مع أحلامهم وطموحاتهم فهو قضاء يحتاج إلى تطهير.
إننى على يقين من فشل هذه المحاولات لضرب السلطة القضائية لأن الشعب ومعه الجيش، نعم الجيش، لن يسمح بهذه المهزلة (كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ ۚ كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله الْأَمْثَالَ).. الرعد 17.