لم تكد تمر شهور على جريمتى كنيستى طنطا والإسكندرية، حتى وقعت جريمة «دير الأنبا صموئيل» بالجبل الغربى بمحافظة المنيا، فقد استهدف الإرهابيون أوتوبيساً يقل زواراً للدير وعربة نصف نقل تقل عمالاً تابعين للدير، المعلومات الأولية تقول باستشهاد نحو خمسة وعشرين مواطناً مصرياً قبطياً. لا مجال للحديث عن بشاعة الجريمة ونذالة الإرهابيين الذين يستهدفون الأقباط، وهم يصلون أو فى طريقهم لزيارة أماكن مقدسة، فالإرهاب يتسم بالخسة والجبن، يضرب ويهرب، ويستهدف مواطنين أبرياء من العزل.
المؤكد أن الإرهابى فاقد للحس الإنسانى تماماً، فقد زرعت فى رأسه أفكار روج لها قادة متشددون على مدار تاريخ، برروا قتل المخالف والمختلف، وروجوا بأنها مهمة مقدسة، وأن القائم بذلك سوف يكافئه الله ويدخله جنات يتمتع فيها بكافة المتع. الإرهابى نتاج منظومة فكرية جعلت همه الأساسى ليس الاجتهاد، وفعل الصواب لدخول الجنة، بل همه الرئيسى هو إثبات أن غيره سوف يذهب إلى النار، ومن ثم فإن مهمته الرئيسية هى دعوة المغاير لاعتناق ما يعتنق، وللاعتقاد فيما يعتقد، وإلا فإن الرد هو ممارسة سياسات التمييز والاضطهاد ضده وصولاً إلى قتله بشتى الطرق تقرباً للإله.
الإرهابى هو وليد نتاج فكرى جعله يكره الحياة ويقف ضد كل ما يسعد الإنسان على الأرض، نتاج فكرى يجعله يقف ضد كل منتجات المدنية الحديثة لإسعاد الإنسان، يكره الموسيقى التى هى غذاء الروح، يكره البهجة والسعادة، ينثر الكآبة ويعيش أجواء الدماء والأشلاء. نتاج فكرى يحط من قدر المخالف والمختلف، لا قيمة لحياة الإنسان لديه، لا يفرق بين شاب ناضج وشيخ عجوز أو طفل صغير، بين رجل وسيدة، هو يرى جميع المخالفين والمختلفين أعداء وجب قتلهم وقطف رؤوسهم وتفجيرهم حيثما كانوا فى بيوتهم، فى المسارح والسينمات أو فى دور عباداتهم.
الإرهابى إنسان تم غسل دماغه تماماً، فخرج خارج سياق الإنسانية تماماً، وربما خارج عالم الحيوان الذى لا يخلو من الرحمة بين أنواعه وسلالاته المختلفة، فتجد أسداً يعطف على عجل حديث الولادة ويحميه من أسود آخرين، وتجد نمراً يتولى رعاية قرد حديث الولادة بعد أن قتل القردة الأم وقبل أن يبدأ فى التهامها، فوجئ بالقرد حديث الولادة فتوقف عن التهام القردة الأم وتولى رعاية الوليدة. هناك عشرات الوقائع من عالم الحيوان التى تقول لنا إن هناك رحمة فى قلوب الحيوانات لم تتوافر لبشر باتت الدماء، والأشلاء مشاهد مفضلة لديهم، رؤية دم المخالف والمختلف، وأشلاؤه أمر يسعد الإرهابى نتاج الفكر المتطرف.
القضية أبعد كثيراً من المجال الأمنى الذى يتعامل مع السلوك الخارجى، ولا قدرة لديه للتعامل مع الأفكار المتطرفة والنوايا العدائية، ولذلك فإن دور الأمن هو التعامل مع الأعراض لا الأسباب، فالأخيرة وهى فكرية بالأساس تعود إلى أدوات التنشئة وإلى الواقع الاقتصادى والاجتماعى والثقافى فى البلاد وإلى دور رجال الدين بالأساس، تعود إلى ما يقرأ ويدرس الأطفال والتلاميذ وما يشهد الكبار ويسمعون، وهى مجالات تخص الحكومة ومؤسسات الدولة ككل، وإذا أمعنا النظر فى هذه المجالات والدوائر، فسوف نجد بداخلها من يحمل أفكاراً قريبة من أفكار الإرهابيين، فقد تم اختراق هذه المؤسسات والدوائر، كما أن بعض القائمين عليها هم نتاج نفس البيئة الحاضنة للفكر المتطرف الذى ينتج الإرهابيين.
إلى أن يحدث التغيير الجذرى الشامل فكرياً وثقافياً، لا بد من تفعيل قانون الطوارئ وتطبيقه على الإرهابيين من ناحية وسرعة صدور الأحكام وتنفيذها من ناحية ثانية، فالتعامل الجدى الفورى مع الإرهابيين أمر يمكن أن يساعد فى الحد من الجرائم، إلى أن تبدأ عملية التغيير والإصلاح الجذرى التى تتعامل مع الأفكار.