أكتب هذا المقال قبل ساعات من انتهاء مهلة الجيش. لا أعرف إن كنت سأعود إلى الكتابة بعد ذلك، أم سأكون سطراً فى تاريخ جديد لهذا البلد!. ترقب وقلق وعناد متبادل ودعوات بملء الشوارع والميادين.. بينما دماء المصريين على الأرض «خريطة».
أكتب هذا المقال ومصر تتهيأ لـ«الرجل» الذى نتمنى جميعاً أن يستحقها وتستحقه: الفريق أول «عبدالفتاح السيسى». كل الآمال معلقة فى رقبة هذا الرجل الذى خلقه الله ليحميها ويصون عرضها ويعرف كيف يدافع عنها أكثر من غيره. الرجل الذى ينتمى إلى سلالةٍ، جعلت من الموت شرفاً ووعداً بجناتٍ تجرى من تحتها الأنهار. الرجل الذى يدرك -واقعاً لا قولاً- معنى كلمة «نخوة»، وعلّمته مصر ألا ينوء بحمل «أمانتها». مصر هيأت نفسها لـ«دخلتك» يا سيادة الفريق، فلا تخذلها.. ونحن وراءك. ستكون عروساً جميلة كما نريدها نحن.. لا كما يريدها أولئك القتلة الأجلاف.. فلا تخذلها. سنزفها بالملايين، وسيغنى فى فرحها سيد درويش وعبدالحليم حافظ ومحمد منير.. فلا تخذلها. ستزغرد فى عبها كل أمهات الشهداء، وسيمشى فى موكبها كل الذين وقعوا فى غرامها وخطبوا ودها وتمنعت عليهم.. فلا تخذلها. سيكون ذيل فستانها ممتداً من أسوان إلى الإسكندرية، وسيلمع فى تاجها خرز أسلافك: أحمد عرابى وعزيز المصرى وجمال عبدالناصر وعبدالمنعم رياض والسادات والجمسى وسعد الشاذلى وغيرهم من شرفاء العسكرية المصرية.. فلا تخذلها. ستكون هداياها ثمراً من شجر الجنة، وسيكون الطبق الأهم على كل موائدها «خروفاً» إخوانياً، أما أنا فلا أطمع إلا فى صحن «فاصوليا ورز بالشرعية».. فهذا هو الطبق الذى نفضله نحن صعايدة القاهرة، وهذا هو الإلهام الوحيد مما هرتل به الخروف ذو القرنين فى خطبة وداعه.
لا تخذلنا يا سيادة الفريق.. مصر تتهيأ لك فلا تخذلنا. مصر طلّقت نفسها من هذا العنين، الصفيق، الفاشى، الكذاب، الأعمى، الخائن، رد السجون. مصر «خلعت» محمد مرسى لأنه أخذها «غصباً» دون أن يعرف أنها لا تؤخذ هكذا، ودون أن يعرف حتى كيف ينام إلى جوارها على سرير واحد. مصر عاشت عاماً كاملاً فى عصمة هذا الجلف دون أن تقصر فى «واجب»، لأن أصلها ثابت.. وفرعها فى السماء، لكنه مع الأسف كان يتركها وحيدةً فى غرفتها، تتلوى من الجوع والقهر والحسرة والمهانة، ويتسلل فى هويد الليل إلى مكتب المرشد لينام فى حضنه!. مصر عاشت عاماً كاملاً فى عصمة هذا الديوث الإمعة: تطبخ وتكنس وتكوى طواقيه وجلاليبه، وتطهر غياراته الداخلية من حشرات السجن، ثم تصلى عشاءها وتنام.. وقبل الفجر تصحو لتفاجأ بأن النائم إلى جوارها خيرت الشاطر.. فعلى من نعتب يا سيادة الفريق؟.
بعد خطاب «الأربعة وسبعين شرعية»، وعلى عكس الكثيرين ممن سمعوه.. اكتأبت قليلاً، ثم تفاءلت:
أولاً.. لأن الخطاب يحرّض علناً على العنف ودق طبول الحرب الأهلية، وكانت «الشرعية» شفرة بدء هذه الحرب التى كانت قد بدأت بالفعل قبل ساعات (أحداث فيصل والهرم وجامعة القاهرة). ثانياً.. لأن الخطاب فيه تحدٍ سافر للجيش ورفض لمهلته، ومن ثم استفزاز لتلك المؤسسة، المدعومة أساساً برغبة الملايين فى الإطاحة بهذا الأخرق العنين. ثالثاً.. لأن الخطاب يستخف بهذه الملايين الرافضة، ونحن نعرف أن آفة الحكم تكمن فى بطانة الحاكم وأطقم مستشاريه، فهم الذين يوهمونه دائماً بأن الشارع معه، وأن المعارضين قلة منحرفة، وأن الأمور على ما يرام.
هذا الرجل «قفل البلد على صباعه». هذا الرجل يتمتع بغباء لا نحسده ولا نستكثره عليه.. بل نحمد الله الذى أعزنا به. فلو كان ذكياً أو صاحب حيلة لا قدر الله.. لأفلت بجرائمه التى ارتكبها وسيرتكبها. وإذا كان مبارك قد شرب السم ثم قال: «أنا أو الفوضى».. فهذا الأحمق مزق شرايينه وشرايين جماعته البغيضة حين قال: «أنا أو الدم». الفوضى مقدور عليها أياً كانت عواقبها، أما الدم فلا يُنسى ولا يضيع بالتقادم يا سيادة الفريق. الدم ثمن حريتنا.. ثمن أخطائنا، وقد كنا نقول دائماً إنهم لن يتركوا حكم مصر إلا على جثثنا، وها نحن مهيأون لذلك، فطوبى لنا.. وليحفظ الله مصر.