يواصل الرئيس الفلسطينى محمود عباس حرب التجويع والحصار التى يشنها على قطاع غزة لتركيع حركة حماس التى تسيطر عليه، وحتى الآن فإن المتضرر الوحيد من هذه الحرب الفاشية هم سكان القطاع المنكوب، وهم وحدهم من يدفعون ثمن تلك الحرب القذرة التى يتشارك فيها رئيس السلطة وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء مع الأخذ فى الاعتبار اختلاف الهدف لكل منهم، فرئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس فقد السيطرة والاتزان فى معالجة ملف الانقسام ليتحول إلى وحش كاسر يريد القضاء على الأخضر واليابس دون الالتفات إلى من يدفع الثمن، وهم سكان القطاع الذين يعتبرون جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطينى رغم محاولات الرئاسة اليائسة تدمير هذا الكيان الصغير الذى بات يشكل تهديداً مباشراً للسلطة الفلسطينية وبالتالى لإسرائيل. قنبلة موقوتة وشيكة الانفجار لن يحتمل جحيم نيرانها أحد بمن فيهم إسرائيل التى تعبر دائماً عن خشيتها من بركان غزة المقبل.
الرئيس الفلسطينى أبومازن يتخبط فى يم الغرور تتقاذفه شطآن الوهم الأمريكى، يوهم نفسه بمعالجة ملف الانقسام الذى أصبح يشكل صداعاً مزمناً له بالجراحة القاسية والبتر لأى عضو يشكل خطورة على باقى الجسد الفلسطينى، وحقيقة الأمر أنه يمارس هواية الجزارة وليس مهارة الجراحة التى تهدف لإبقاء الجسد حياً دون مضاعفات تؤذى نسيجه ومقومات بقائه، ويكفى أن تستنجد اللجنة الدولية لكسر الحصار بالمؤسسات الحقوقية الدولية والعربية بالنظر إلى خطورة ما يحدث فى غزة وما آلت إليه الأوضاع الإنسانية فيها وبالذات أوضاع المرضى، فقالت فى تقرير لها إن 13 مريضاً توفوا منذ مطلع العام الحالى غالبيتهم من الأطفال بسبب وقف السلطة الفلسطينية التحويلات الطبية من غزة للعلاج فى المستشفيات الإسرائيلية وخمسة من هؤلاء الأطفال توفوا خلال اليومين الماضيين والأمور مرشحة للمزيد من شهداء الحصار بسبب سياسة السلطة وتعاملها مع القطاع، بعد أن قررت حرمانه من الدواء والعلاج والكهرباء والرواتب وكل مقومات الحياة، الأمر الذى يعد حرباً شاملة تهدف بشكل واضح لضرب صمود الشعب الفلسطينى فى غزة الذى صبر 11 عاماً فى وجه الاحتلال والحصار الإسرائيلى!
بات واضحاً أن السلطة الفلسطينية لا تتعامل مع سكان غزة باعتبارهم جزءاً من نسيج الشعب الفلسطينى فتمارس سياسة الانتقام، وتتجاهل أن الشعب الفلسطينى لن يغفر لسلطة «رام الله» ممارساتها التى تتماهى بشكل كامل وفاضح مع جرائم الاحتلال، فالرئيس أبومازن ينكل بشعبه وليس بحركة حماس فقط بشكل غير مسبوق وكأنه تلبّسه الشيطان، وسياسة تضييق الخناق على القطاع والتنكيل بسكانه وزيادة المأساة الحاصلة فيه ستعود بالضرورة على إسرائيل كالسهم المرتد، خاصة إذا واصل أبومازن حربه ضد غزة باستخدام سياسة التسويف فى قبول مقترحات حماس لحل الأزمة الإنسانية المتفاقمة ضمن آلية الضغط الذى يمارسه على حماس من خلال غزة، ولأن حماس لا تملك أوراق ضغط فاعلة تجاه السلطة وبالذات فى أزمة الكهرباء التى تتحكم بها السلطة وأبرمت اتفاقاً مع إسرائيل لتقليص تزويد القطاع بها، لكن يبقى لديها ما ترى أنه حل غير مباشر يتمثل فى التسبب فى تدهور الوضع الأمنى حتى يصل إلى مواجهة عسكرية مع جيش الاحتلال الإسرائيلى حتى لو كانت غير راغبة فيه ومكرهة عليه، فحتى اللحظة لم تستبعد حماس هذا الخيار وهو مطروح كأحد السيناريوهات إذا ما فرضته الضرورة كملاذ وحيد لها هروباً من الوضع القائم؛ لوضع «أبومازن» فى مأزق سياسى وأمنى مع إسرائيل، وللأسف فإن حلولاً يائسة من هذا النوع سيدفع ثمنها سكان القطاع الذين اكتووا بنار ثلاث حروب متتالية على غزة وما زالوا يعانون آثارها المدمرة وتوابعها حتى الآن.
ما يقترفه الرئيس الفلسطينى من جرائم بحق قطاع غزة لم يحد من طموح حماس ولا تزايد نفوذ دحلان، بل أفقده الكثير من شعبيته الآخذة فى التدهور والتراجع، وزاد من عزلته الداخلية والخارجية، وعزز من ظاهرة الرفض المستتر له كممثل شرعى ورسمى وحيد للفلسطينيين، وما حدث له فى القدس أثناء تأديته صلاة العيد فى المسجد الأقصى له دلالة واضحة بعد أن أقدم عدد من شباب حركة «فتح» على تعليق صورة ضخمة له على مدخل الحرم القدسى الشريف مما أثار حفيظة وغضب الموجودين وسارع جماهير المصلين بإزالتها وتمزيقها لحظة تعليقها والاعتداء على من علقها، فى مشهد بمثابة رسالة واضحة على افتقاده للشرعية والشعبية على الأقل بين المقدسيين، فما بالنا بقطاع غزة المشحون بالأزمات والاحتقان السياسى والغضب الجماهيرى جراء ما يتعرض له من تنكيل؟
ما يحدث فى قطاع غزة بمثابة شرارة البدء لحرب رابعة لكن من يشنها هذه المرة هو الرئيس عباس وليس إسرائيل، ستؤدى إلى انفجار آجلاً أم عاجلاً، خصوصاً إذا كان سكانه محاصرين ويعانون أزمات عديدة لا ينقصهم أزمة جديدة ربما تقضى على أى أمل فى الاستقرار لسنوات طويلة مقبلة.