وماذا فعلت خدمة البيوت بـ«سيدة»؟.. بقت جلد على عضم
سيدة محمد
تجاعيد وجهها وخشونة يديها ترويان قصة كفاحها، قارب عمرها على السبعين عاماً ولم تبلغ الراحة. عيناها غائرتان وجسدها نحيل وعظامها هشة، وما زالت تعمل فى خدمة البيوت ومسح السلالم، تخرج من بيت لتدخل آخر، بينما تلتقط أنفاسها بين الاثنين بالكاد، تمسح وتكنس وتغسل وتطبخ وترعى الأطفال والمسنين والمرضى، تعلم جيداً أن أى حركة خاطئة، أو سقوط مفاجئ على الأرض ربما يصيبها بكسور مضاعفة، لكنها لا تملك رفاهية الاختيار بين العمل والراحة.
سيدة محمد، المرأة السبعينية التى تسكن منطقة «ترعة السواحل»، فى إمبابة، تقدر العمل بشرف وأمانة، فهما سلاحها لتحصل على الرزق حتى لو كان ضئيلاً لا يتجاوز 5 جنيهات يومياً: «كبرت ومابقتش قادرة على الشغل واللف فى البيوت، لكن غصب عنى أنا عايشة بدراعى».
عمرها 70 عاماً وتعمل للإنفاق على نفسها وزوجها المريض
هم «سيدة» لم يتوقف على مجرد خدمتها للسيدات والأطفال فى بيوت أصحابها فى مناطق المنيرة وترعة السواحل بإمبابة، لكن مرض زوجها ضاعف أوجاعها وحملها: «جوزى عنده 80 سنة عنده كسر فى المفصل ومحتاج عملية بالشىء الفلانى عايش على الأدوية المسكنة اللى ما نملكش غيرها، وأنا لو قعدت عمرى كله أشتغل مش هقدر أجمع فلوس العملية». بنبرة صوت متقطعة يغالبها الدموع تحكى «سيدة» عن معاناتها فى الحياة تخفف عنها المعاملة الطيبة التى تلقاها من جيرانها ومعارفها: «الشقا مش جديد عليا، طول عمرى شقيانة، بس الجديد إنى بقيت شايلة الحمل كله لوحدى من يوم ما جوزى رقد، جوزى كان بيشتغل فى مطبعة، ومرتبه كان ضعيف جداً، لكن كنت بحط قرشى ع قرشه وبنحمد ربنا».
أنفاس متهدجة وعظام تبرز من جسدها الواهن وعروق تنفر من كفيها.. حالتها التى يرثى لها شفعت لها عند صاحب المنزل الذى تسكن فيه: «صاحب البيت واقف جنبى، ما بياخدش منى إيجار، أصل هياخد منى إيه ايش ياخد الريح من البلاط». 300 جنيه هى الحصيلة التى تجمعها آخر كل شهر مقابل تنقلها بين بيت إلى آخر: «بخلص فى بيت وأتنقل للبيت التانى بسرعة مش برتاح».
وضعت «سيدة» كل الظروف الصعبة التى مرت بها طيلة حياتها فى «كفة» وتعليم أبنائها بـ«كفة» أخرى، وجعلته هدفاً لم تتنازل عن تحقيقه: «احنا بنتعب عشان نعلم عيالنا ونجوزهم.. جوزت بناتى الاتنين وخرجتهم من الحقوق والحاسب الآلى»، وعلى الرغم من ذلك لم تطلب يوماً من أبنائها أى مساعدة: «إحنا بنخلف ونربى وبنستنى الكلمة الحلوة مش الفلوس». تتذكرها أبناءها وتبكى: «الدنيا غالية وكل واحد فلوسه بيوفرها لبيته وعياله حملهم تقيل وأنا عمرى ما اتضايقت منهم».