سوهاج.. النواب أكثر المستفيدين من غياب المحليات لانفرادهم بوضع خطط المشروعات إرضاءً للكتل الانتخابية التى صوتت لهم
التعدى على الأرض الزراعية تحت أسلاك الضغط العالى
غياب المجالس الشعبية المحلية عن المشهد فى أعقاب ثورة 25 يناير أدى، بحسب عديد من المواطنين وأعضاء المجالس المحلية السابقين، إلى ظهور العديد من المشاكل والأزمات وأوجه الفساد، وضاعت أفدنة لا حصر لها من أراضى الدولة بعد أن استولى عليها البعض، كل تلك الأزمات والمشاكل كانت ستختفى من المشهد السوهاجى، فى حال وجود المجالس الشعبية المحلية المنوط بها محاسبة المسئولين والإشراف على توزيع خطط الدولة على القرى والنجوع، وفق توزيعات عادلة، وقد مثل غياب المجالس الشعبية عائقاً فى استكمال المشروعات التى يحتاجها المواطنون، وكذلك تأخر تخصيص أراضى الدولة لإقامة مشروعات ذات نفع عام. ولعل أكثر ما سببه غياب المجالس الشعبية المحلية خلال الفترة الماضية هو منح قرى مشروعات خدمية، من رصف طرق ومياه وكهرباء، بينما تم حرمان قرى أخرى من تلك الخدمات، بسبب الواسطة والمحسوبية وتدخل أعضاء مجلس النواب لمنح أنصارهم مكافأة مقابل أصواتهم التى منحوها لهم فى الانتخابات النيابية الماضية، بينما يقف الأهالى الذين حُرموا من حقهم البسيط فى الخدمة عاجزين عن المطالبة بحقوقهم المسلوبة، وهو ما أدى لحالة احتقان لدى كثير من المواطنين، وسيطرت حالة من الإحباط على فئة ليست بالقليلة من الشباب الذين حُرموا من حقهم فى ممارسة الديمقراطية داخل أروقة المجالس الشعبية المحلية، واضطر عدد منهم لتكوين كيانات شعبية للمساهمة فى تقديم خدمات للمواطنين عن طريق عرض مشاكلهم على المسئولين فى المحافظة.
ويؤكد محمد على عرابى، رئيس المجلس الشعبى المحلى سابقاً بقرية الحواويش بمركز أخميم، أن غياب المحليات أثر بشكل كبير على جدوى المشروعات بالقرى والمدن، مشيراً إلى أن غياب المحليات تسبب فى غياب الرقابة، الأمر الذى أدى لفتح مجال كبير للرشاوى، وأيضاً أصبح كثير من القرى فى طى النسيان نتيجة لعدم استكمال كثير من المشروعات، خاصة فى القرى التى فى أمَس الحاجة لوجود الخدمات ذات النفع العام، مطالباً بسرعة إنهاء الإجراءات لعودة المجالس الشعبية المحلية، حيث عانى الأهالى الأمرين وما زالوا يعانون من غياب المحليات، ضارباً المثل بقرية الديابات بأخميم التى تحتاج إلى مشروع للصرف الصحى، وإنشاء مدارس ومعاهد وكان مخصصاً لها ذلك قبل ثورة 25 يناير، وتم الانتهاء من كل الإجراءات، وتخصيص الأرض اللازمة، لكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح، والسب غياب المجلس الشعبى المحلى.
«عرابى»: غابت المجالس فغابت الرقابة.. و«القاضى»: العضو المحلى له دور خدمى فى متابعة المشروعات عن «البرلمانى»
واعتبر السيد عبدالمجيد، موظف سابق بالمعاش، أن غياب المجالس الشعبية أثر على معظم المشروعات وأدى لعدم استكمالها، كما أن أعضاء مجلس النواب أصبحوا هم من يتحكمون فى تخصيص أراضى الدولة لمشروعات خدمية، وهنا تقع المشكلة وعلى المعنيين والمهتمين بالمحليات سرعة تلبية احتياجات المواطنين، بعودة المجالس المحلية المنتخبة التى كانت تمثل دور الرقيب، لأنه عندما تغيب الرقابة تغيب المساءلة والمحاسبة.
ويقول محمود أبوالمكارم تمام، موظف سابق بالمعاش، ومؤسس نادى العسيرات الرياضى، إن غياب المجالس الشعبية المحلية أدى لتأخر تخصيص قطعة أرض للنادى، موضحاً أنه فى عام 2010 تم تخصيص قطعة أرض لإقامة ملعب لنادى العسيرات، لعدم وجود ملعب قانونى لفريق كرة القدم، مؤكداً أن قرار التخصيص توقف بعد الثورة، ولم يتم الإفراج عنه إلا مع بداية العام الحالى، مشيراً إلى أنه انتظر 7 سنوات كى يصدر قرار تخصيص قطعة الأرض، محملاً السبب فى ذلك لحل المجالس الشعبية المحلية.
وأكد «تمام» أنه لولا متابعته الدائمة لقطعة الأرض لكان استولى عليها الأهالى وحولوها لعمارات سكنية، موضحاً أن قرارات تخصيص الأراضى لمشروعات النفع العام تمر بمرحلة معقدة بداية من المجلس القروى، ويتم رفع الطلب لمجلس المدينة، وبعدها للجنة تخصيص الأراضى بالمحافظة، ثم الموافقة على الطلب من رئيس الوزراء، وأكد أن ذلك قد يستمر عدة سنوات، مما يؤدى لضياع الأراضى المراد تخصيصها، مضيفاً: «قرارات التخصيص فى حال وجود المجالس الشعبية المحلية لا تأخذ أكثر من 3 أشهر على أقصى تقدير، لأن المجلس الشعبى المحلى للمحافظة منوط به الموافقة على قرارات التخصيص، وهناك بعض المشروعات تم تخصيصها فى مدة لم تتجاوز 15 يوماً، لحاجة المواطنين إليها».
وأشار «تمام» إلى أن أراضى الدولة التى تقع داخل «كردون المدن» تم الاستيلاء عليها من مواطنين بعد أن غابت عن المشهد المجالس الشعبية المحلية، مؤكداً أن هناك أزمة كبيرة يعيشها الأهالى لعدم وجود أراض تابعة للدولة يمكن تخصيصها لمشروعات، وأن غياب المجالس الشعبية المحلية أحدث فراغاً كبيراً وتسبب فى ضياع مساحات كبيرة من الأراضى التى كان من الممكن الاستفادة منها فى مشروعات تعود بالنفع على المواطنين.
وقال أشرف القاضى، عضو مجلس محلى محافظة سوهاج سابقاً، إن غياب المجالس الشعبية أدى لضياع التخصيصات وأراضى الدولة، وحرم المواطنين من الكثير من المشروعات الخدمية، موضحاً أنه، على سبيل المثال، كان منوطاً بالمجلس الشعبى المحلى تحديد رسوم الكشف داخل المستشفيات والوحدات الصحية، والآن أصبح تحديد تلك الرسوم خاضعاً للمحافظة، ونجد المسئولين بالمحافظة يرفعون تلك الرسوم ويخفضونها بدون معرفة احتياجات وظروف المواطنين فى القرى والمدن.
وأشار إلى أن تخصيصات الأراضى للمشروعات ذات النفع العام أصبحت تتم الآن بالمجاملة والأهواء، فمن له معرفة مع رئيس القرية يمكن أن يحصل على خدمات أكثر من غيره، موضحاً أن دور المجالس الشعبية المحلية كان تخصيص المشروع ورفع مذكرة للمجلس الشعبى فى المدينة، ثم رفع الطلب للمجلس الشعبى فى المحافظة، وتقوم لجان بفحص الطلبات ودراستها بعناية، والمنطقة التى تحتاج لمشروع خدمى وتكون فى حاجة ماسة إليه تتم الموافقة عليه، ورفض الطلبات التى لا تحقق نفعاً لشريحة كبيرة من المواطنين.
وأكد «القاضى» أن أصحاب القرار الآن هم رؤساء المدن والقرى الذين يستشيرون نواب الشعب فى كل كبيرة وصغيرة فى المشروعات المنفذة ولا يستطيعون مخالفة تعليماتهم فى تخصيص المشروعات، لافتاً إلى أن بعض نواب الشعب حالياً يكافئون من منحوهم أصواتهم بمشروعات خدمية، بخلاف معارضيهم، موضحاً أن نواب الشعب أصبحوا مستفيدين بدرجة كبيرة من غياب المجالس الشعبية المحلية لهيمنتهم على خطط الدولة فى المشروعات الخدمية وتوزيعها وفق أهوائهم.
وأضاف «القاضى» أن عضو المجلس الشعبى المحلى كان له دور خدمى بخلاف نائب الشعب، الذى له دور تشريعى ورقابى، حيث إن عضو المحليات كان يقوم بمتابعة كل كبيرة وصغيرة فى نطاق دائرته ومن يشاهد مشكلة متعلقة بعدم وصول مياه أو كهرباء إلى منطقة، أو عدم وجود رصف للطرق، يتم كتابة مذكرة بها ورفعها لمجلس محلى المحافظة، ويتم مناقشتها والعمل على حلها بشكل فورى، مؤكداً أنه شارك فى كتابة عدة تقارير عن انقطاع للكهرباء وللمياه وتهالك طرق فى بعض المناطق، وتم حل تلك المشاكل على الفور، وأن غياب المجالس الشعبية أهدر مليارات الجنيهات على الدولة وحرم المواطنين من مشروعات خدمية هم فى أمَس الحاجة إليها.