بلدية لونا
أجلس الآن في انتظار دوري لتسجيل إسمي في بلدية لونا، فمن دون هذا التسجيل لا يمكنني الحصول على حساب بنكي في ألمانيا، ومن دونهما أي -التسجيل في البلدية وحساب البنك- لن أحصل على راتبي، وكذلك لن أحصل على اشتراك القطار، ومن دون اشتراك القطار سأظل أقطع المسافة بين لونا وفيشتا ذهابا وإيابا حتى تتورم مؤخرتي، تراها لم تتورم بعد؟! حلقة متصلة مترابطة متسلسلة.
عن يميني يجلس ثلاثة شبان، أظنهم من الأتراك، جميعنا ينتظر أن تخضّر اللمبة الحمراء، فإذا ما اخضرت دخل من عليه الدور حيث الموظف المسئول عن تسجيل الأجانب، وجاء دوري سريعا فدخلت على موظفة شابة، أعطيتها جواز سفري وعقد إيجار الشقة ممهور بتوقيع سباستيان ودانيال، قلت لها: كنت بالأمس في بلدية فيشتا فأخبروني أنني لا يحق لي التسجيل لديهم، لأنني أسكن هنا في لونا، فهل هذا صحيح؟ كنت لا أنتظر جوبا، كان مجرد سؤال عابر أردت به فتح باب الحديث مع الموظفة، ويبدو أنها أدركت ذلك فأجابت باقتضاب: نعم، ثم نظرت إلىّ في حدة وهي تقول: ولكنني لن أقوم بتسجيلك هنا أيضا قبل أن تأتيني بعقد إيجار ممهور بتوقيع مالك الشقة الأصلي!
مالك الشقة الأصلي؟
لم أفهم مقصودها، فعقبت أسألها: أوليس هذا العقد كافيا؟ أجابت: لا، غير كاف، نحتاج توقيع صاحب العقار نفسه.
لملمت أوراقي ثم عدت إلى البيت، فكتبت رسالة إلى سباستيان أخبره بما حدث. طمأنني بأن كل شئ على ما يرام وأنه سيتصل بصاحب العقار ليأخذ منه موعدا، ثم أضاف: المشكلة أن صاحب العقار رجل أعمال لديه العديد من الأنشطة العقارية!
في اليوم التالي أخبرني سباستيان بأنه اتصل بشركة صاحب العقار فأخبروه بأنهم لا يمكنهم التوقيع لسببين: الأول وهو أن اسمي غير موجود بالعقد الأساسي، والثاني لأن الشقة ليست ملكا خالصا لهم؛ فملكيتها مشتركة بين الشركة وبين البنك، ثم أضاف سباستيان سببا ثالثا محتملا: وهو أنني عربي!
في الجامعة ذهبت إلى السيدة شوماخر المسئولة عن شئون الأجانب، أخبرتها بما حدث لي من أمر عقد الإيجار، فلم تفهمني، أو ربما لم أستطع شرح الموقف بما يكفي لفهمه، أو ربما لأن الموقف أساسا غير مفهوم، ووجدت من الضروري والأفضل الاتصال بسباستيان كي يشرح لها الموقف هو بنفسه.
سمعت سباستيان يقول لها أنه سيبذل كل جهده لحل المسألة، ولكن خوفه الوحيد يكمن في أن يكون الرفض بسبب أنني عربي!
لم تعقب السيدة شوماخر على ما يقوله سباستيان، كانت تهز رأسها في صمت، وبعد أن انتهت المكالمة لم تزد عن قولها: ننتظر!