"نقتله.. نُغير عليه وعلى قومه.. نُلقى به خارج البلاد.. نأخذ من كل رجل.. قبيييلة"!
مشهد "عوكل" الشهير عندما وجد نفسه وسط الكومبارسات متورطاً وجاءت جملته التى رغم بساطتها وصغرها لم يتذكرها!
يحضرك هذا الأداء فوراً عندما تشاهد الهجوم الضارى على مسلسل "سابع جار" بشكل مفاجئ ويبتعد عن المنطق بمسافات.. هجمات وضربات متتالية وكأن أصحاب الهجوم قرروا أن يصبحوا جميعهم "عوكل" ويأخذوا فرصتهم برفع صوتهم و"الغلوشة" على جميع الأصوات لفرض كلمتهم على طريقة "نأخذ من كل رجل قبيييلة"!
وصلات "التقطيع" التى حاصرت المسلسل تحصنت بدرع الحفاظ على القيم والمبادئ فى وجه جمهور غفير أقبل عليه بشغف وتعلق به بل عاش مع أبطاله وتعايش معهم كأفراد منهم، وهو ما جعل موجة الغضب تشتد وتعلو أمام هذا الهجوم الساحق على المسلسل ووصل الأمر للمطالبة بوقف عرضه!
أصحاب "الانتقاد" يحملون مبررهم بتناول المسلسل لعلاقات متعددة منها بعض الأشكال غير المناسبة للمجتمع كونها علاقات خارجة، ما بين خيانة وعلاقة خارج الإطار الشرعى، ومن هنا كانت منصة القذائف وكيف نعرض هذه النماذج "وإزاى وليه وفين" وبهذا أصبح أهم مسلسل اجتماعى على الشاشات على مدار سنوات طويلة يحض على الفساد والرذيلة ويجب محاكمة صناعه، ولا مانع من إعدامهم حتى يكونوا عبرة لمن يفكر أن يلقى الضوء على النماذج السيئة فى المجتمع ويكشفها ويحذر منها ومن مصائرها!
الحقيقة أن هذا الهوس الذى أصاب البعض كشف عن "ميكانيزم" دفن الرؤوس فى الرمال وعدم المواجهة بوجود هذه النماذج وانتشارها بل وتفشيها فى المجتمع كـ "الفيروس" الصامت القاتل، وبالرغم من أن معظمنا يقابل هذه الشخصيات ويراها ويتعامل معها وربما يكون شاهداً على أحداث مماثلة فى الحقيقة إلا أن هناك من يزال معجباً بأداء النعامة "رأسه فى الرمال وباقى حاله فى العراء"!
الهجمات المرتدة من الجمهور والتى جاءت دفاعاً عن العمل تؤكد على زيادة وعيه ومواجهته لنفسه ولـ "علته"، وهذا مؤشر إيجابى لم يكن موجوداً فى فترات سابقة، ما وضع أصحاب الآراء "الحنجورية" فى مأزق شديد فالمجنى عليه فى محاكمتهم وهو المشاهد أصبح هو النيابة عن نفسه وموجه الاتهام مطالباً بأقصى عقوبة على هؤلاء فى درس قاس لكل من يحاول ارتداء ثوب "الناقد الفنى" دون وعى أو إدراك.
هؤلاء ممن يمارسون "النقد الفنى" بالإكراه ويتربصون بالأعمال الفنية لـ "تثبيتها" والسطو على جيوبها مفرغينها من مجهود صناعها، لا يدركون أن ما يقومون به هو "انتقاد" لا "نقد" فالـ "نقد" هو عملية تحليلية لتفاصيل أى عمل تظهر نتائجها الجوانب الإيجابية والأخرى السلبية به لتشكيل صورة نهائية متكاملة، أما الـ "انتقاد" فهو البحث فقط عن السلبيات حتى ولو بين ثنايا العمل لإظهار صاحب المهمة نفسه بالعالم ببواطن الأمور صاحب النظرة العميقة الثاقبة مستمتعاً بدور الجلاد، فمن وجهة نظره كلما زادت ضرباته كلما ارتفعت أسهمه وأصبح الـ "مرعب اللى بيتعمله 1000 حساب" ليكتسب شهرة ومكانة "جوفاء" من أدوات المهنة، مستبدلها بكل أدوات التحطيم وإبداعاتها حتى أن هناك منهم من وصل به الحال أن يتفرغ فقط لمهاجمة الفنانين بل وسبهم و"تفطيسهم" موحياً أنه الـ "علاَمة" و"فلتة" الجيل، مستمتعاً بـ "تهليل" مجموعات تحيطه من عينة "اضرب يا نجم".. "أفرم يا كبير".. "اوعى يجيلك فلان".. "اللى مابيرحمش" مستمعاً هو بشخصية الـ "زومبى" فى منطقة لا تمت للمهنية بأدنى صفة، وقد لا تجد له من الخبرة ما يؤهله لذلك من الأساس، وليذهب الجميع للجحيم، وهو الأسلوب الذى انعكس بشكل عام على المجتمع فى إبداء آرائه ليتحول أصحابه إلى أبطال من "ورق".
• لماذا تعلق الجمهور بمسلسل "سابع جار" بهذا الشكل؟
سؤال لم يبحث له البعض من الدخلاء على المهنة عن إجابة رغم بساطتها ووضوحها، وهى افتقاد الجمهور لأعمال تعرض العلاقات الإنسانية التى يعيشها فى حياته اليومية بعد أن أصبحت الأعمال تدور بين طبقتين رئيسيتين، إما الفارهة التى تتخطى تفاصيلها حدود خيال المشاهد العادى أو البلطجة والعشوائيات التى ينفر منها أيضاً المشاهد العادى، وبينهما حدثت عملية "فرم" للطبقة الوسطى التى تمثل أغلب المشاهدين، ليجد كل منهم نفسه ممثلاً بأسرته وعائلته وأصدقائه وجيرانه بتفاصيل حياته اليومية ومشكلاته وحكاياته وصراعاته ونجاحاته وإحباطاته، وهذا الترابط الـ "جيرانى" الذى تاه مع عجلة الحياة فوجد فيه دفء يفتقده، لتجد أخيراً الطبقة الوسطى نفسها بعد أن ظلت لفترات طويلة "لا تجد من يحنو عليها".
الحقيقة أن "سابع جار" ليس اختراعاً ولكن تم تقديم عمل مشابه من نفس التركيبة فى نهاية الثمانينات فى مسلسل "برج الأكابر"الذى قام ببطولته حسن عابدين وليلى طاهر معهم كوكبة من النجوم وقد التف أيضاً حوله الجمهور فهذه النوعية جاذبة بطبعها وقد نجح فيها تماما صناع "سابع جار" بعد أن نقلوا الحياة اليومية لمعظم الأسر المصرية إلى الشاشة ليشاهد جمهوره نفسه يومياً بمختلف عائلاته.
أمام كل هذا النجاح الذى حققه "سابع جار" إلا أنه لا يمنع أن هناك بعض السلبيات التى وقعت فيها مؤلفته والتى شاركت فى الإخراج أيضا.. فرغم الحالة التى استطاعت صنعها بمهارة ونعومة فائقة، وبدايات المسلسل خاصة "الفرشة" الأولى والتى استمرت حتى نصف الحلقات تقريباً، إلا أنها فجأة وبدون مقدمات قررت أن تجنح بالمسلسل لناحية أخرى لتضطرب جميع العلاقات مرة واحدة وتصيبها الخيانات كلها فى نفس اللحظة والعلاقات الغير شرعية وكأنه "فيروس" خطير ضرب العمارة من "بير السلم" حتى "سطحها" وهو ما تسبب فى هذه الـ "خضة" التى استغلها المتربصون بالنقد الفنى نفسه بعدما شعر قطاع من المشاهدين أن المسلسل "حدف شمال" فجأة!
ربما تقتضى الدراما تسليط الضوء على النماذج السلبية و"علل" المجتمع لكشفها حتى نبحث عن علاجها إلا أن التوازن مطلوب وتقتضيه أيضاً الدراما ما يزيد من قوة التأثير بعرض النماذج المتناقضة وهو المبدأ الذى ارتكز عليه مسلسل لنجم بحجم "محمد صبحى" عندما قدم "يوميات ونيس" وقرر ان يكشف أخطاء المجتمع ويعالجها أيضاً ولكن أن يتحول العمل كله فجأة لـ "شمال" فكانت تلك هى الثغرة التى تسلسل منها الـ "تامن جار".
الـ "تامن جار" كان هو الجار الـ "رخم" الذى قرر أن يزيد عن الـ "سابع جار" لينغص عليهم فرحتهم وعلى محبيهم متعتهم بإهدار مجهود عمل ضخم والبحث فيه فقط عن "القطط الفاطسة" ليمارس هوايته فى ذبح عملاً كاملاً وتشريحه أمام مجرد وجهة نظر مستمتعاً بجريمته الكاملة .............
"جريمة تامن جار"!