«الحق فى الحياة» هو أحد حقوق الإنسان، بل هو أول هذه الحقوق وأهمها على الإطلاق، ودونه لا يتصور الحديث عن أى حق آخر. ومن ثم، قد يستغرب البعض الحديث عن «حق الأنهار فى الحياة». ومن أجل ذلك، تعمدت وضع علامة استفهام وبعض علامات التعجب فى عنوان هذا المقال. وفى هذا الشأن، يؤكد البعض أن الأنهار غالباً ما تكون لها هويات ثقافية وروحية، ويعتبرها البعض مخلوقات مقدسة أو كائنات واهبة للحياة، الأمر الذى يجعل من المنطقى التساؤل عما إذا كان ينبغى أن تكون لهم حقوق مماثلة لتلك التى يتمتع بها بنو البشر؟
وفى الإجابة عن هذا التساؤل، تتم الإشارة إلى أن حقوق الإنسان الأساسية معترف بها الآن فى كل المواثيق الدولية والدستورية. غير أن هذه الحقوق لا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع دون كفالة نوع من الحماية للبيئة المحيطة ببنى البشر. ومن ثم، يغدو من الطبيعى الحديث عن حقوق للأنهار والمحيطات. وقد اكتسب هذا الاتجاه زخماً كبيراً فى الآونة الأخيرة، ووجدت بعض الأنهار نفسها فى خضم التطورات القانونية الحاصلة حديثاً. وتعتبر الهند ونيوزيلندا من أوائل الدول التى منحت حقوقاً للأنهار. وفى دولة كولومبيا منحت المحكمة الدستورية حقوقاً لنهر «أتراتو» (Atrato)، وهو نهر يتدفق عبر بقعة التنوع البيولوجى المعروفة عالمياً للغابات المطيرة فى شمال غرب المحيط الهادئ. ويعد حكم المحكمة الدستورية الكولومبية من الأحكام الرائدة فى هذا المجال، ويقرر نوعاً من الحماية للنهر على أساس ما يوفره للحياة البشرية، وليس لأنه يتمتع بالحق فى الحياة على قدم المساواة مع الإنسان. وتشمل حقوق النهر الحيوية الحق فى حمايته وصونه والمحافظة عليه.
إن دساتير الجيل الرابع قد استحدثت الحق فى البيئة كأحد حقوق الإنسان. وفى مصر، استحدث المشرع الدستورى هذا الحق، فى التعديل الوارد عام 2007م على دستور 1971م. وتكرر النص على هذا الحق فى المادة 63 من دستور 2012م وفى المواد 30، 32، 43، 44، 45، 46 و79 من الدستور الحالى لعام 2014م. وتجدر الإشارة هنا إلى المادة الرابعة والأربعين من الدستور الحالى بنصها على أن «تلتزم الدولة بحماية نهر النيل والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أو تلويثها.. وحق كل مواطن فى التمتع بنهر النيل مكفول، ويحظر التعدى على حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون».
غير أن التطور الحاصل مؤخراً يقوم على الحديث عن حق النهر ذاته فى الحياة. ونعتقد أن هذه الفكرة ينبغى تعظيمها فى الحالة المصرية، وأن يتم إثارتها فى مواجهة السدود الإثيوبية التى تعددت فى الآونة الأخيرة، بما يؤثر على جريان المياه فى نهر النيل. إن الخطر الذى تمثله هذه السدود يؤثر على حق نهر النيل فى الحياة وفى الجريان المنتظم لمياهه. وهذا الأمر لا يمكن السكوت عليه أو القبول به فى ضوء التطورات القانونية العالمية التى تصب فى اتجاه تقرير حق الأنهار فى الحياة.. والله من وراء القصد.