كل عام وحضراتكم بخير وسلام، اليوم هو أول أيام عيد الفطر المبارك، أعاده الله على وطننا بكل خير وسلام، وأبقانا صامدين تحت راية هذا الوطن الصامد.. حين استهل المتنبى إحدى أروع قصائده ببيته الشهير القائل: «عيد بأية حال عدت يا عيد، بما مضى أم بأمر فيك تجديد»، كان غرضه أن يكتب «قصيدة هجاء» لا أن يؤلف «أسطوانة مشروخة» يرددها الناس كل عيد ويتباكون على أطلال الماضى الجميل الذى كان، وينوّحون على آفاق المستقبل السيئ الذى سيكون!
بعض الناس لديها من الشحنات السلبية ما يكفى لإنارة كل مصابيح الخطر الموجودة فى العالم.. فسكان كوكب الكآبة سيفترضون دوماً أن القادم أسوأ والمستقبل أسود، أما الحاضر فهو كذبة كبيرة، ومؤامرة خطيرة. سيؤكدون أنه لا أمل فى المستقبل على الإطلاق.. وهكذا.
فكيف عاد العيد بالفعل على بلادنا هذا العام؟ تقابل مصر العيد الجديد مع استمرار حربها على الإرهاب فى شمال سيناء، ومع ذلك ارتفع معدل نموها الاقتصادى بما جعله يقترب من أداء الاقتصادات الناشئة، أصحاب معدلات النمو التى تدور حول 6.8%.. استطاعت مصر تحقيق أفضل معدل نمو لها منذ سبع سنوات، بنسبة 5.4%.. ومع ارتفاع معدل النمو الاقتصادى انخفضت نسب البطالة لتصل إلى نسبة 10.6% (بعد أن كانت 13.6%، ثم 12%).. واستطاعت خمسة قطاعات تحقيق نسبة 68% من جملة معدلات التشغيل، على رأسها قطاع الزراعة (بنسبة 20.5%)، ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة (بنسبة 14.1%)، ثم قطاع الصناعات التحويلية (بنسبة 12.9%)، وقطاع التشييد والبناء (بنسبة 12.6%)، وقطاع النقل (ونسبة 7.5%)، كل ذلك بعد أن كانت فرص التشغيل فى السابق تعتمد على قطاعى الزراعة والبناء والتشييد فحسب.
انعكس تحسن الوضع الاقتصادى المحلى على زيادة نمو الصادرات غير البترولية، فبلغت نسبة 12%، كما تراجعت الواردات السلعية غير البترولية بنسبة 3٪، وذلك خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية الحالية.. وتلك الزيادة المحققة فى الصادرات إلى جانب الانخفاض فى نسبة الواردات أسهم فى تراجع العجز التجارى بنسبة 11٪ فى الفترة ذاتها.
أما مساهمة الاستثمار فى معدلات النمو، فقد ارتفعت إلى 25% فى الربع الثالث من السنة المالية الحالية، وجاءت أكثر من نصف المساهمة فى نمو الناتج المحلى من أربعة قطاعات هى: قطاع الاستخراجات (بنسبة 25%)، يليه قطاع المطاعم والفنادق (بنسبة 11%) ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة (بنسبة 9.5%)، وقطاع الصناعات التحويلية (بنسبة 10%).
كل ما سبق من أرقام هى قصة نجاح حقيقية، تجعل من مصر محط أنظار العديد من المؤسسات الدولية، فلا أحد يساعد الضعفاء، ولا أحد يمنح شيئاً يعرف أنه لن يستعيده.. ولكن هذه الأرقام يقابلها سؤال كلاسيكى عفى عليه الزمن يقول: متى تتساقط ثمار التنمية؟ أو بطريقة أخرى: متى يشعر المواطن بتحسن؟ وهو سؤال مهم ومشروع، والإجابة عنه فى المقال المقبل إن كان فى العُمر المزيد.