ورغم أن النساء لا يشاركن عادة فى الحروب والصراعات، إلا أن أكثر من يتحمّل الآثار والتبعات هن والأطفال، بكل أسف شديد.
بتلك الكلمات كنت قد ختمت مقالى السابق، والثانى على التوالى عن موضوع «العنف ضد النساء»، خاصة هذا النوع من العنف المركب الذى تتعرّض له النساء العربيات فى المناطق التى طالتها الصراعات والحروب والأزمات، وكنا قد مررنا سريعاً أيضاً على الخلفية التاريخية للمخطط غير الإنسانى، وشديد الحقارة لتقسيم المنطقة العربية، وذلك بإشعال وتأجيج الخلافات المذهبية والعرقية بين سكان الوطن الواحد، من أجل تفتيته، حتى تسهل السيطرة عليه، كما استفضنا قليلاً بعض الشىء فى المقال الأول فى ذكر بعض الأمثلة لنماذج نسائية من سوريا الجارة، وكذلك من العراق الشقيق، وتحدّثنا عن تجربة كل منهما، وعن مدى المعاناة، وكم التحديات التى تواجههن فى كل لحظة، سواء داخل أوطانهن، أو خارجها فى مناطق الهجرة أو اللجوء.
واليوم أستكمل معكم حول هذا الموضوع الموجع والمؤلم للغاية، فكم أصاب بضيق الصدر كما يكاد ينفطر قلبى حزناً، وأشعر أنه يخفق بشدة كلما حاولت الاقتراب من تفاصيل تخص المعيشة وممارسات الحياة اليومية لنساء مثلى، منهن الفتيات الصغيرات والزوجات والأمهات والجدات الكبيرات فى السن، يعانين من موجات وتبعات العنف المضاعف، كونهن عالقات فى قلب الصراعات والأزمات، بالإضافة إلى المعاناة الإضافية، سواء فى إعالة الأسرة وحماية الأبناء فى حالات غياب رب الأسرة، أو تعرضه للاعتقال أو القتل أو الفقد.
ويرتجف جسدى كلما حاولت مجرد الاقتراب والتفكير فى مستقبل الأطفال من الأبناء والبنات بعد سيطرة التنظيمات الإرهابية الموجهة وفرض حالة الفوضى ونشر الذعر والخوف فى بلدان حولنا تعانى ويلات الصراع والعنف.. ماذا عن صحتهم؟ وعن تعليمهم؟.. عن معنوياتهم وأحوالهم النفسية ومشاعرهم؟
وقد تحدثت إلى الكثيرات من النساء السوريات والعراقيات على الأخص، وكان أغلب الحكايات عن مدى خوفهن على أسرهن أكثر من خوفهن على أنفسهن وسلامتهن الشخصية، فهن يخشين طوال الوقت من اعتقال الأبناء أو الأزواج، كما يخشين أيضاً من تعرض الفتيات لما يمس شرفهن، كمحاولات الاغتصاب والتحرش، فضلاً عن الخوف على الأبناء من الانخراط فى القتال طوعاً أو كرهاً، الأمر الذى دفع -ولا يزال- بالبعض منهن للقبول بفكرة سفر أبنائهن عبر البحر بشكل غير شرعى، نظراً لانعدام الفرص المتاحة فى مستقبل لن أقول إنه جميل، ولكنه عادى حتى، حيث هم، وذلك سواء كانوا فى مناطق الصراع أو فى بلدان اللجوء المؤقت.
فهناك أمهات أصبحن لا يفكرن فى شىء إلا فى الخوف.. نعم وحده الخوف.. خوف من كل شىء بعد استباحة الأرض والعرض.. الخوف من خطف فتياتهن من الحواجز واعتقالهن فى الفروع الأمنية وتعرضهن لانتهاكات تصل -كما أشرنا- إلى حد الاغتصاب المتكرر، الخوف من الاعتقال، الخوف من القتل، الخوف من السرقة.. الخوف على المستقبل ومنه.
وما زال لحديثنا بقية..