افتقد النور، افتقد الحب، افتقد الود، فارقت الحياة ولكنها لم تفارقني.. مضى بجواري مئات وآلاف من الناس يعطف عليَ أقلهم ويتعجل الباقي من أمرهم، فللكل حياة ينشغل بها فمن أنا لينشغلوا بي! ربما كان لدي من الأولاد صاروا رجالًا وفتيات كبار، فلماذا تركوني هكذا بعدما كانوا لي كل شيء في شبابي وقوتي؟! هل قصّرت فقصّروا، هل لم يدركوا ضعفي وفقري وقلة حيلتي؟!، بعد قوتي!، لما إذًا لم يأخذني أحدهم لينقذني من غياهب الطرقات؟، قد لا أتذكر فربما لم يكن لي أحد!.
لعل حذائي يفوق قدمي أضعاف، أعلم كم هي متهالكة أكثر من الفستان البالي على جسدي الذي طالما تروقني رائحته؛ كيف يراني العالم فكم أبدو لا أرُى بالعين المجردة، أراه لم ينقص أو يزيد شيئًا.
قد لا أرى العالم بأعينكم لكنني اراه بعينين ضريرتين انهكهم الزمن، اعترف، لقد زالت نضارتي ويبس عظامي وظللت قعيدة، كم أرى في عيونكم خيبات الأمل والحسرة والذبول، الآهات التي يصلني صداها دون همس، كم ارغب أن اصرخ بكم..اسمعوها من عجوز رأت من الحياة ما رأت.. اصمدوا فالنهاية لم تكُتب بعد!
اعلم اني سأفارق الحياة قريبًا ربما الآن! لدي من المرض ما يكفي لقتل شباب ضعيف خاوي البنيان والعقل، اعترف بجهلٍ لولاه ما توسلت للطريق، لقد مزقني أشلاء بداخلي أكثر من الف مرض يغزو جسدي. لا أنكر خطأي ولكن يطاردني قلقي من أن يراني أبنائي وأحفادي ويقلدوا أمري ويتبعوا نهجي ويسيروا على الدرب نفسه، كم أود أن أصرخ الآن في كل جيل، فكوا قيود أجدادكم، تخلصوا من مذلة الماضي وضعف الحاضر وخشية المستقبل، رافقوا العلم واستعدوا للمستقبل، فلا ينصت العالم للضعفاء، فارغي الحيلة، قودوا الخوف وأمروا أنفسكم لتقودكم لبر الأمان.