خبير أمريكي: ملاعب كرة القدم أصبحت ميادين معارك للحقوق السياسية بالشرق الأوسط
تحت عنوان تأثير كرة القدم على سياسات الشرق الأوسط، قدم الخبير الأمريكي جيمس دورسي محاضرة للباحثين بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
وأكد جيمس دورسي، خلال المحاضرة، أن ملاعب كرة القدم أصبحت في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على مدار السنوات العديدة الماضية ميادين معارك للحقوق السياسية والإنسانية والعمالية، فضلاً عن قضايا الهوية الوطنية والأيديولوجية والعرقية.
وأضاف أن فحص الدور الحديث والتاريخي لمشجعي كرة القدم المتشددين في مصر والأردن وإيران وبلدان أخرى يمكن أن يساعد في إلقاء الضوء على موقف كل مجتمع حيال هذه القضايا في الوقت الحاضر.
وأوضح قائلاً لقد تأسست معظم نوادي كرة القدم في المنطقة وهي تحظى ببعض التوجهات والميول السياسية أو الأيديولوجية، سواء كانت مؤيدة للاستعمار أو مؤيدة للملكية أو قومية أو غير ذلك، وفي مصر، هناك ناديان يتمتعان بنفوذ هائل - وهما الأهلي والزمالك.
وكان الأول موطناً للطلاب الذين أصبحوا ثوريين في وقت لاحق؛ بل إن الأمر انتهى بأن يتزعم الرئيس جمال عبدالناصر النادي بنفسه وفي المقابل، كان الزمالك مرتبطاً بالحركات المؤيدة للملكية والمؤيدة للاستعمار، واليوم تغيرت ديموغرافيا القاعدتين الجماهيريتين بقوة، وعلى سبيل المثال في مقابلة عام 2010، وصف لاعب الكرة المصري الشهير إبراهيم حسن، نادي الزمالك بأنه "نادي الملوك"، رغم أنه وُلد عقب الإطاحة بآخر ملوك مصر بسنوات.
كما أن الاتجاهات في ملاعب كرة القدم يمكن أن تكون مؤشراً على الأحداث المستقبلية.. ففي الأردن، اكتسبت التصريحات المنتقدة صراحة لفساد العائلة الملكية زخماً للمرة الأولى في ملعب كرة القدم وفي مباريات كرة القدم السعودية، يواجه العديد من الأمراء بصيحات الاستهجان، ويرشقون بمختلف الأشياء، ويرغمون على مغادرة الملاعب كلية في بعض الأحيان، وربما كان عزل رئيس "اتحاد كرة القدم السعودي" العام الماضي المرة الأولى التي يُرغم فيها عضو من العائلة الملكية على الاستقالة من منصبه بسبب ضغوط جماهيرية.
وعلى الرغم من أن لاعبي كرة القدم أنفسهم نادراً ما يشتركون في احتجاجات سياسية، إلا أن الرياضة تستثير نوعاً من العواطف التي يمكن أن تثير مثل تلك الإجراءات ففي إيران، كان نادي كرة القدم الرئيسي في تبريز رمزاً هاماً للهوية العرقية الأذربيجانية؛ ومؤخراً، كان القوة الدافعة وراء المظاهرات المطالبة بتوحيد محافظة أذربيجان الشرقية في إيران مع جمهورية أذربيجان التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي سابقاً، وفي طهران، تحول احتفال أُقيم لإحياء ذكرى لاعب كرة القدم الراحل ناصر حجازي، الذي كان منتقداً صريحاً للرئيس محمود أحمدي نجاد، إلى مظاهرة حاشدة ضد الحكومة. وعلاوة على ذلك، غالباً ما تحل الانتخابات الرئاسية الإيرانية على مقربة من وقت تصفيات إيران النهائية المؤهلة لكأس العالم؛ وفي بعض الحالات، دفعت الاحتفالات بانتصارات الفريق الوطني بالمواطنين إلى انتهاك الأعراف الاجتماعية وإقامة احتجاجات مناهضة للنظام.[FirstQuote]
ويتطلع القادة الجهاديون والعقائديون في المنطقة إلى فرق كرة القدم كأداة للحشد، وترتبط العديد من المساجد الإسلامية بأندية محددة، كما أن الشخصيات المقاتلة - مثل أسامة بن لادن، وزعيم «حزب الله» حسن نصر الله، والقيادي في حركة «حماس» إسماعيل هنية - تفهم الدور الذي لعبته الرياضة في تجنيد الأتباع وتسهيل الروابط بين أولئك الذين ينفذون العنف في مراحل لاحقة.
وأشار الخبير الأمريكي إلى أنه وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك خلافات قوية بين الجماعات الإسلامية المتشددة حول ما إذا كان قانون الشريعة يجيز تشكيل فرق لكرة القدم فمن ناحية، فكرت جماعة «الإخوان» في مصر في تشكيل ناديها الخاص في عام 2011، في حين أن «حزب الله» وغيره من الجماعات لديهم فرقهم الرياضية الخاصة ويعملون على إدارتها بالفعل في لبنان ومن ناحية أخرى، يُعرف عن "حركة الشباب" الصومالية بأنها تعدم الناس لمجرد مشاهدتهم مباريات لكرة القدم.
كما كانت الرياضة ميدان معركة هام لحقوق المرأة، فقد عملت سحر الهواري، ابنة أحد حكام كرة القدم المصريين، على تفكيك المعارضة الإقليمية لكرة القدم النسائية بإقناع العائلات والنوادي والحكومات على السماح للنساء بتنظيم فرقهم الخاصة كما أقامت شراكة مع الأمير علي في الأردن لإقناع الدول الأعضاء في "اتحاد غرب آسيا لكرة القدم" بإعلان أن المرأة لها حق متساوٍ في اتخاذ كرة القدم كمسار مهني.
وحول صعود الألتراس في مصر، أوضح أنه في الفترة من 2004 إلى 2006 تقريباً، تواصل مشجعو كرة القدم الشغوفون في الشرق الأوسط مع الجماعات المتشابهة في التفكير في جميع أنحاء العالم التي اعتنقت الولاء المطلق لأنديتها وهؤلاء المشجعون، الذين يُطلق عليهم "الألتراس"، نظروا إلى اللاعبين والمدربين كانتهازيين أو فاسدين؛ وقد دفعتهم هذه الحقيقة وغيرها إلى تكوين شعور قوي بالمُلكية على أنديتهم.
وإن النفوذ المتنامي لـ"الأولتراس" قد شكل تحدياً لسلطة بعض الأنظمة، لكنه قدّم لها فرصاً كذلك فقد سعى زعماء مثل أحمدي نجاد والرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إلى توثيق انتماءات الجماهير بفرقهم القومية من أجل حشد شعبيتهم الهائلة وعلى وجه الخصوص، استغل مبارك الرياضة لصرف الانتباه عن سوء الإدارة الحكومية واستغلال العواطف الوطنية.
وفي الوقت نفسه، طالبت جماعات "الأولتراس" في مصر بجرأة الحصول على المُلكية على أنديتها، وبحلول عام 2007 كان "الأولتراس" يتصادمون مع قوات الأمن بشكل أسبوعي، سواء في ملعب كرة القدم أو مكان آخر وبحلول عام 2011، مثّلوا عشرات الآلاف من الشباب أصحاب المستويات التعليمية الضعيفة والعاطلين عن العمل الذين كانوا مستاءين من النظام ورأوا فرصة للرد، وما أن بدأت الثورة حتى لعب "الأولتراس" دوراً جوهرياً في كسر حواجز الخوف أمام الحشود - فقد خاطبوا المصريين الذين لم يجهروا مطلقاً بمعارضتهم ضد الحكومة، ودفعوهم للمشاركة في المظاهرات في "ميدان التحرير"، وضغطوا عليهم لكي يبقوا في الشوارع عند قيام قوات الأمن بأعمالها القمعية.
وعقب الإطاحة بمبارك، فقد "الأولتراس" الكثير من نفوذهم العام، إلا أن أعمال الشغب التي وقعت في ملعب كرة القدم في بور سعيد في فبراير عام 2012 وأسفرت عن مقتل أربعة وسبعين شخصاً أشعلت التعاطف تجاه الـ"أولتراس" مرة أخرى، ما أوقد شرارة التمرد في المدن الواقعة على البحر الأحمر وقناة السويس.
وفيما يخص الجدل حول كأس العالم المعتزم تنظيمه في قطر، قال إنه بينما تتقدم الدول الأخرى بعروضها لاستضافة "كأس العالم" من أجل إبراز نفوذها وخلق فرص لمواطنيها وتحسين البنية التحتية، تُركز قطر على سعيها لاستضافة كأس العالم 2022، وهي مبادرة كانت وراءها دوافع أمنية فبعد غزو العراق للكويت عام 1990، علمت قطر أنه لا يمكنها الاعتماد على مظلة الدفاع السعودية ورغم استيرادها كميات كبيرة من الأسلحة واستقبالها أفراد أجانب للمشاركة في قواتها المسلحة، إلا أن الإمارة الصغيرة لا تزال تفتقر إلى القوة الخشنة المطلوبة للدفاع عن نفسها ومن ثم تمثل كرة القدم أداة قيمة للقوة الناعمة وهبة للأمن الوطني.
ولكن حملة قطر الناجحة لاستضافة "كأس العالم" تعرضت لتدقيق وتمحيص مكثف وعلى الرغم من أن البلاد تواجه قضايا داخلية كبرى، لا سيما فيما يتعلق بالعمالة، القطريون لم يتوقعوا طوفان الانتقاد الذي تعرضوا له، وعلى كل حال، فقد لاذ العديد من أفراد المجتمع الدولي بالصمت لسنوات بشأن المخاوف المرتبطة بالعمال الأجانب في قطر؛ كما أن الاتحادات التجارية الدولية القوية لم تؤكد نفسها حقاً إلا بعد أن اكتسب عرض البلاد زخماً وتحاول الإمارة معالجة مخاوف العمالة هذه، من خلال إقامة شراكة مع دول المصدر مثل سري لانكا وبنجلاديش لتأكيد عدم استغلال المهاجرين على يد الوسطاء.
وفي غضون ذلك، فإن الحضور الضعيف للغاية في ملاعب كرة القدم القطرية قد استحث مناقشة مسألة الإصلاحات وحيث يعلم العمال الأجانب الذي يتواجدون بأعداد ضخمة في البلاد أنهم ليسوا إلا مجرد مقيمون مؤقتون، لذا تقل احتمالية أن يصبحوا مشجعين شغوفين، كما أن العديد من المواطنين غير مهتمين بدعم أندية كرة القدم المملوكة للحكومة وقد أثار ذلك كلام عن مناقشة نقل الملكية من الدولة إلى الشركات المملوكة للقطاع العام وعلى نطاق أوسع، ربما تكون الحكومة القطرية أول حكومة تحاول بناء صناعة الرياضة كاملة من القمة إلى القاع - وتشمل هذه الصناعة الطب الرياضي والأمن الرياضي. وبقيامها بذلك ربطت الرياضة بالهوية الوطنية الناشئة للإمارة.
وتابع الخبير الأمريكي، قائلاً إن الإصلاحات الجاري مناقشتها في قطر ربما تنتشر في النهاية إلى دول الخليج العربي الأخرى التي تواجه تحديات ديموغرافية مشابهة وغير قابلة للاستدامة. ومع ذلك، سوف يظل الجدل قائماً في الوقت الراهن حول دور كرة القدم في الخليج. على سبيل المثال، ربما يكون "الاتحاد الدولي لكرة القدم" قد أخطأ بتعيين الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة من البحرين رئيساً لـ"الاتحاد الآسيوي لكرة القدم" رغم قمعه للرياضيين الذين شاركوا في احتجاجات مناهضة للحكومة. ورغم ذلك لم تكن هناك خيارات جيدة بديلة لهذا المنصب.