بادئ ذى بدء يجب على لجنة الدستور أن تضع فى اعتبارها أن رئيس الجمهورية القادم سيكون باختيار جموع الشعب المصرى، وهو بذلك يكون محل ثقة من أغلبية الشعب، ومنصب رئيس الجمهورية فى مصر -وفى هذه المرحلة على وجه الخصوص- يجب أن يتمتع بسلطات تمكنه من تنفيذ التزاماته وتحقيق برنامجه الذى انتخب على أساسه.
ولكن الملاحظ أن لجنة الدستور تضع صلاحيات رئيس الجمهورية، وهى مطاردة بأشباح مبارك ومرسى، فعملت على تقليص صلاحيات وسلطات رئيس الجمهورية، خوفاً من تكرار ظاهرة الرئيس الفرعون أو المستبد، فانتهى بها الأمر إلى نزع معظم السلطات التى كان يتمتع بها رئيس الجمهورية فى دستور 1971 ودستور 2012، فوجدنا الرئيس القادم «خالى الدسم» لن يقدم أو يؤخر وإن أراد.
فمثلاً نصت المادة 112/1 من المسودة على أنه «لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا عند الضرورة ولمدة واحدة خلال فترته الرئاسية، وبقرار مسبب، وبعد موافقة الشعب فى استفتاء عام».
وهذه القيود فيها انحياز واضح لصالح مجلس النواب الذى انتخب أعضاؤه على مستوى دوائر صغيرة، لا تعبر عن إرادة الشعب بأكمله، فى مواجهة رئيس جمهورية انتخب من أغلبية الشعب بكامله، وتنص ذات المادة فى فقرتها الثانية على أن «يصدر رئيس الجمهورية قراراً بوقف جلسات المجلس، وإجراء استفتاء على الحل خلال ثلاثين يوماً على الأكثر، فإذا وافق المشاركون فى الاستفتاء بأغلبية الأصوات الصحيحة، أصدر رئيس الجمهورية قرار الحل، ودعا إلى انتخابات جديدة خلال ثلاثين يوماً على الأكثر من تاريخ صدور القرار ويجتمع المجلس الجديد خلال الأيام العشرة التالية لإعلان نتيجة الاستفتاء، ولا يجوز حل المجلس الجديد لذات السبب الذى حُل من أجله المجلس السابق»، وفى هذه الفقرة أكثر من خلل، الأول هو وماذا إذا ما رفض المشاركون فى الاستفتاء حل المجلس؟ ما الجزاء على رئيس الجمهورية؟ لقد عالج دستور 2012 هذا الأمر بالنص على استقالة رئيس الجمهورية فى هذه الحالة، والخلل الثانى يتمثل فى أن الفقرة الأولى من هذه المادة لا تعطى رئيس الجمهورية الحق فى حل مجلس النواب إلا مرة واحدة خلال فترته الرئاسية، بينما فى الفقرة الثانية تنص على عدم جواز حل المجلس الجديد لذات السبب الذى حُل من أجله المجلس السابق، فإذا كان الرئيس قد استنفد حقه فى حل مجلس النواب وفقاًَ للفقرة الأولى فكيف سيستخدمه مرة أخرى لذات السبب أو لغير ذات السبب مرة ثانية؟ أيضاً تنص المادة 121 من المسودة على أنه «يكلِف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب.. » ومفاد ذلك أن رئيس الجمهورية الذى هو وبنص الدستور رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية (م114) ليس حراً فى اختيار رئيس مجلس الوزراء الذى سيمارس رئيس الجمهورية سلطاته من خلاله (م122) بل يتعين على الرئيس اختيار رئيس الوزراء بترشيح الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، وبموجب هذا النص قد يأتى رئيس للوزراء على غير رغبة الرئيس، أو غير متوافق معه أو من تيار سياسى مخالف للتيار الذى ينتمى إليه الرئيس، فكيف سيتمكن كلاهما من التعاون بل وممارسة سلطات مشتركة عملاً بالمادة 122 من الدستور؟
وتنص المادة 121 مكرر على أن «لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث الأعضاء»، وهذه المادة تفترض أن مجلس النواب الذى اختار رئيس الوزراء سيوافق على إقالته بناء على طلب رئيس الجمهورية، وهو احتمال ضعيف، وماذا إذا لم يوافق مجلس النواب على إقالة الحكومة بمعرفة رئيس الجمهورية فإن ذلك يعنى استمرار رئيس الوزراء فى منصبه رغماً عن إرادة رئيس الجمهورية مع ما يحمله ذلك من أضرار بالسياسة العامة وتنفيذها، ثم تأتى المادة 135 مكرر بالنص الآتى «يجوز لمجلس النواب اتخاذ إجراءات سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى حالة انتهاكه للدستور، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثى أعضائه وبمجرد صدور هذا القرار، يوقف رئيس الجمهورية عن عمله ويعتبر ذلك مانعاً مؤقتاً يحول دون مباشرته لاختصاصاته ويطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة فى استفتاء عام، فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة، يعد ذلك مانعاً دائماً يحول دون مباشرته لاختصاصاته، وتجرى الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يوماً من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء».
وهذا النص مهين لمنصب رئيس الجمهورية، ذلك أن الرقابة البرلمانية وسحب الثقة تكون للحكومة أو رئيس الوزراء أو الوزراء أو نوابهم، أما منصب رئيس الجمهورية فيجب ألا يكون مهدداً وتحت رحمة مجلس النواب الذى يمكن أن تتحكم فيه أهواء ومصالح أو حتى انحرافات، والطامة الكبرى أن النص لا يتضمن أى جزاء على مجلس النواب فى حالة رفض الشعب فى الاستفتاء سحب الثقة من رئيس الجمهورية، قد يكون هاجس ما حدث فى 30 يونيو من رئيس الجمهورية السابق دافعاً لوضع هذا النص، ولكن اللجنة بهذا الفكر افترضت -على خلاف الحقيقة- أن رئيس الجمهورية القادم فى الغباء السياسى لمحمد مرسى وجماعته، فشلت حركة رئيس الجمهورية وجعلت منه دُمية يتلاعب بها مجلس النواب دون رقيب أو حسيب، وبالتأكيد فإن هذا لا يصب فى صالح الوطن.
إن رئيس الجمهورية القادم سيكون محل ثقة الشعب الذى انتخبه فلا تتعاملوا معه بمنطق الشك والريبة، وأخشى أن يوضع الشعب -مرة أخرى- فى مأزق الاختيار بين اثنين من المرشحين، كلاهما هزيل بعد أن يحجم المحترمون عن الترشح.