المنصورة هى العاصمة الثقافية لمصر.. ينتمى إليها كثيرٌ من رموز القوة الناعمة المصرية.. نخبةٌ رائعةٌ فى كل المجالات جعلتْ من المنصورة ومحافظة الدقهلية عنواناً على العلم والإبداع.
(1)
قبل سنوات زار الدكتور أحمد زويل المنصورة، وعاد إلى القاهرة مبهوراً بما رأى وما سمع. حكى لى الدكتور زويل كثيراً عن المستوى العلمى والثقافى الرفيع الذى وجده فى جامعة المنصورة.. ولدى نخبة محافظة الدقهلية التى التقاها فى نادى جزيرة الورد. وأتذكَّر أننى التقيت الدكتور زويل مع العالم الكبير الدكتور محمد غنيم مرات عديدة.. فى القاهرة والإسكندرية. ولطالما حظى الدكتور غنيم بثناء ومديح الدكتور زويل.. الذى قال لى -أكثر من مرة- إن الدكتور محمد غنيم ليس فقط طبيباً ناجحاً.. إنه شخصية عظيمة بالمعايير الدولية للعلم والإدارة.
وأتذكّر أيضاً أنه بعد زيارة الدكتور زويل.. كان كثيراً ما يذكر المنصورة -بتقدير واسع- فى كل حديث يمكن أن يطال المدينة الرائعة.. أو يتطرق إلى الجامعة المرموقة.
إن جامعة المنصورة لا تزال قادرة على الإبهار.. إنها لم تقف عند الإنجازات الكبيرة فى علوم الطب والمراكز العالمية الرفيعة فى الكُلى والكبد.. بل أصبحت علوم الأحياء هى الأخرى عند المستوى الرفيع. وحين عقدت الطبعة العربية من «ساينتيفيك أمريكان» احتفالها الكبير فى قلعة صلاح الدين بالقاهرة قبل شهور.. سعدتُ بما سمعت عمّا وصلت إليه الطبقة العلمية فى المنصورة.. وكان ممّن التقيت فى الاحتفال الدكتور «هشام سلام» والفريق العلمى.. الذى صعد بمركز الحفريات بجامعة المنصورة إلى المعايير العالمية.
كان علماء جامعة المنصورة الذين التقيتهم فى ذلك الاحتفال.. متميزين للغاية.. إنهم ينشرون الأبحاث المتخصّصة والصور والرسوم العلمية المعقَّدة.. فى مجلات العالم الكبرى. وهم كذلك يملكون موضوعاتهم وأدواتهم.. ويمكنهم شرح الأمور العلمية المعقدة بأسلوب بسيطٍ للغاية. إنهم امتداد لمدرسة الدكتور فاروق الباز.. عالم مدينتهم الأشهر.. حيث المعرفة عند السقف الشاهق.. وحيث القدرة على الشرح والتقديم، وخلق شعبية واسعة للعلم.. تمضيان فى خطوط متوازية.. ساحرة.
(2)
إن الأبحاث الرائعة التى قام بها مركز الحفريات بجامعة المنصورة.. أصبحت حديث العلم فى العالم.. من المجلات العلمية الأشهر إلى دوائر التاريخ الطبيعى فى كل العالم. يجرى الحديث الآن عمّا أصبح جديداً فى تاريخ الحياة على كوكب الأرض.
نجح مركز الحفريات فى جامعة المنصورة.. فى الوصول إلى اكتشاف علمى كبير.. اكتشاف «ديناصور» يمثِّل جديداً فى دراسة التاريخ الجيولوجى والتاريخ الطبيعى.. حيث يدلِّل الاكتشاف الجديد على أن البحر المتوسط لم يكن موجوداً فى السابق.. وأن أوروبا وأفريقيا كانتا قارةً واحدة.
لقد نجح مركز الحفريات أيضاً -بالتعاون مع مؤسسات علمية غربية- فى الوصول إلى جديد -أيضاً- بشأن حياة «القردة البدائية»، التى تُسمى «الليمور».. وحسب محطة تليفزيون «روسيا اليوم» فإن نشر فريق جامعة المنصورة للبحث المثير فى مجلة «ناتشر» قد حظى باهتمام واسع.. وأن تأكيد مركز المنصورة أن أسلاف الليمور قد هاجرت من الفيوم إلى مدغشقر.. وتأكيده استمرار الأبحاث والاكتشافات فى صحراء الفيوم.. من شأنه أن «يهدم ثوابت فى التاريخ الطبيعى».
إن نخبة علماء المنصورة يفتخرون بمدينتهم.. ويخلِّدون جامعتهم.. وقد أحسنوا حين أطلقوا على الديناصور المكتشف اسم «منصوراصورس». يستحق هذا الفريق الرائع كل الاحترام والتقدير: الدكتور هشام سلام، ثناء السيد، إيمان الدواوودى، سارة صابر، مى الأمير، فرحات إبراهيم.
(3)
إنَّ الإنجاز العالمى لجامعة المنصورة يسعد ويشرف مائة مليون مصرى.. كما يشرف كل الجامعات العربية.. وإذْ يحتاج المشهد إلى تحليل موسَّع -سآتى على ذكره لاحقاً- فإن المؤكد -يقيناً- أنَّ الاهتمام بالجامعات الأجنبية فى مصر.. هو أمرٌ مبالغٌ فيه للغاية. لقد أصبح دلالة قدرات مادية ومكانة اجتماعية.. أكثر مما هو دلالة قدرات علمية أو مكانة معرفية.
الجامعات الأجنبية لم تحقق الكثير فى مجالات العلوم البحتة.. التى كان يتوجَّب أن تُبدع فيها، إنها لم تدعم الإسهام الأكاديمى المصرى فى المسار العلمى للعالم على النحو الدعائى القائم.
قولاً واحداً.. الجامعات الوطنية هى الحلّ.