40 عاما على توقيع "كامب ديفيد".. ومازال للقصة بقية
الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن والرئيس الأمريكي جيمي كارتر أثناء مفاوضات "كامب ديفيد"
أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات، في افتتاح دورة مجلس الشعب 9 نوفمبر 1977، أنه مستعد للذهاب للقدس ومخاطبة الإسرائيليين في عقر دارهم في "الكنيست"، كلمات أصابت كثيرين بالصدمة والذهول على رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيجن، الذي لم يصدق إلا بعد أن شاهد السادات يلقي خطاباً أمام الكنيست في 20 نوفمبر 1977، يعلن فيه فكرة السلام بين مصر وإسرائيل.
تذكر العالم، أمس، تاريخ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، قبل أربعين عاماً، التي أنهت الحرب بين مصر وإسرائيل، وانسحبت الأخيرة من شبه جزيرة سيناء التي كانت تحتلها، بعد مفاوضات استمرت 50 يوماً في منتجع كامب ديفيد الرئاسي في ولاية ميريلاند، القريبة من عاصمة الأمريكية واشنطن، بإشراف الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، وتذكر معها حالة الغضب العربية والمقاطعة لمصر، والتي نعتها البعض بـ"الخيانة".
"هل حقاً كامب ديفيد تركت الشاه أمام الأسد؟، لماذا تفاوض مصر وهي منتصرة في حرب أكتوبر؟، ماذا لو لم يكن هناك اتفاقية سلام مع إسرائيل؟"، على مدار عشرات السنين ما زالت الإجابات غير مكتملة عن هذه الأسئلة إلا أن شهود عيان على كواليس توقيع الاتفاقية ما زالت لديهم تفاصيل يمكن أن تسقط بعض علامات الاستفهام، أبرزهم الدكتور نبيل العربي، وزير الخارجية الأسبق، وأحد أعضاء الوفد المصري الذي رافق السادات في مفاوضاته بالاتفاقية، التي استمرت 50 يوماً.
يروي العربي لـ"الوطن" مشهد ذهابه بمفرده في آخر الأيام التي سبقت توقيع الاتفاقية إلى "السادات" ليؤكد له أن "النص الحالي للاتفاقية لا يمكن التوقيع عليه"، إلا أن الرئيس رد: "أنتوا بتبصوا على الشجر وأنا ببص على الغابة".
"سوء التحضير" هكذا نعت العربي مفاوضات كامب ديفيد، لافتاً إلى أن الأطراف الثلاثة "مصر وأمريكا وإسرائيل"، لم يحضروا جيدا للخروج بالاتفاقية بشكل أفضل، للدرجة التي لم يستطع فيها الوفدين المصري والإسرائيلي المقابلة ولو لمرة واحدة، طيلة أيام المفاوضات وكانت تقتصر على تبادل التحية بينهم كل صباح، وكان الطرف الأمريكي هو اللاعب الرئيسي في تبادل الآراء بينهما.
يضيف العربي: "أمريكا كانت تضع إسرائيل في حساباتها جيدا، وتتجنب الضغط عليها"، وهو ما جعل القضية الفلسطينية هي أحد ضحايا الاتفاقية، بحسب قوله في ظل الرفض الإسرائيلي للتحدث عنها في مسودات الاتفاقية، في حين أن الوفد المصري كان يذهب بمشروع كامل لانسحاب إسرائيل من كل الأراضي.
ورغم انتقاده توقيع "السادات" للاتفاقية، إلا أن العربي يرى أنه لو لم تكن هناك "كامب ديفيد" لكانت هناك حرب أخرى بين مصر وإسرائيل.
"لقد تطلبت هذه المفاوضات وإبرام هذه الاتفاقية العديد من الشجاعة والتضحية من جانب كل من بيجن والسادات"، وفقا لرأي العربي، "منذ ذلك الحين وحتى اليوم ورغم تغير الحكومات ومواجهة العديد من الأزمات في المنطقة، فإن اتفاق السلام الناتج عن كامب ديفيد لم يخرق بل يستمر وباقياً على قيد الحياة"، كلمات أرسلها الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمي كارتر، اليوم، لمنتدى الجامعة الأمريكية بالقاهرة بمناسبة ذكرى توقيع الاتفاقية.
وفي كلمات وصفها البعض بالندم أو الشعور بالذنب، أضاف كارتر: "لقد قامت هذه الاتفاقية على اساس تفاهم وتعاقد بين مصر وإسرائيل، ولكنها استندت أيضاً على إطار لحل المشكلة الفلسطينية في جميع أوجهها.. ولقد كان اعتقادي الدائم أن المسالة الفلسطينية هي أساسية لتحقيق سلام شامل في هذه المنطقة، كنت في بعض الأحيان متفائلاً ورأيت أن السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين قاب قوسين أو أدنى وفي متناول أيدينا، ولكن للأسف الشديد يحزنني أن أقر أن هذا التفاؤل يصعب الآن تبريره والحفاظ عليه من جراء ما يحدث حالياً، فقد توسعت بكثرة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية في العقود الأربع، منذ إبرام اتفاقية كامب ديفيد، كما أن الفلسطينيين لا يزالون يعانون من خلافات وانقاسامات رئيسة داخل صوفوفهم، وتتعرض الديمقراطية في إسرائيل للضعف المتزايد من جراء الاحتلال وآثاره".
واختتم رسالته بوصف الاتفاقية بعد 40 عاماً، بأنها "تؤسس لمستقبل السلام في هذه المنطقة".
"القدس لم تطرح في كامب ديفيد وإلا لم تك هناك اتفاقية من الأساس"، قال الدكتور وليام كوانت، عضو سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي وأحد أعضاء الوفد الأمريكي المشارك في مفاوضات كامب ديفيد، مضيفا لـ"الوطن" أن "بيجن كان يتحدث عن الضفة الغربية، ويطرح دوماً وجود مستوطنات في سيناء، ولم يريد الحديث أكثر عن ذلك فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وإلا كان امتنع عن التوقيع".
"التاريخ سيحكم على أهمية وجود كامب ديفيد من عدمها"، جملة قالها الدكتور شبلي تلحمي، رئيس برنامج أنور السادات في جامعة ميريلاند، والذي أعد رسالة دكتوراة عن الاتفاقية، لافتاً إلى أن تكافؤ الفرص في المفاوضات كان غائباً، فمثلاً كارتر كان يتحدث مع أعضاء الوفد الإسرائيلي في أثناء طرح المقترحات دون اللجوء إلى بيجن، بينما في الجانب المصري كان يلجأ للسادات مباشرة.
"إلا أن أوراقاً لم تستغلها مصر في هذه الاتفاقية"، وفقال لشبلي، أبرزها انتصار حرب أكتوبر المجيدة، والحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، وكان من الممكن أن تحصل مصر على مكاسب إضافية في حال استغلالها.