لا شك فى أن لجنة الخمسين «لتعديل» الدستور قد بذلت جهداً وطنياً مشكوراً لإنجاز حلم مصرى كبير فى وضع دستور يليق بالشعب المصرى، وإن كان لا يُرضى جميع فئات الشعب المصرى فهذا أمر طبيعى ولا يقلل من قيمة العمل الذى قامت به اللجنة.
ولا شك أيضاً فى أن إدارة السيد عمرو موسى الحكيمة لأعمال وجلسات اللجنة كانت من أكبر عوامل وصول اللجنة إلى هذه النتائج التى أرضت غالبية الشعب المصرى وهو ما ستظهر نتائجه فى استفتاء الشعب على الدستور.
ومن هنا فإن تسجيل الشكر لجميع أعضاء اللجنة هو أمر واجب، لكن ذلك لا يمنع من تسجيل مخاوفنا من بعض الإجراءات وبعض النصوص التى قد تهدر أعمال اللجنة أو تعرض البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار السياسى ونوجزها فيما يلى:
1- أن اللجنة تجاوزت المدة المحددة لها للانتهاء من التعديلات والمنصوص عليها فى الإعلان الدستورى الذى أنشأها والذى استمدت منه شرعيتها فى وضع «تعديلات» الدستور المعطل، وهى مدة ستين يوم عمل وهو موعد إلزامى -يترتب على مخالفته البطلان- لا تملك اللجنة تجاوزه وقد تجاوزته بالفعل مما يلقى بظلال من الشك حول أعمال اللجنة وما توصلت إليه من نتائج ولا يجدى تفسير اللجنة بأن المقصود هو ستين يوم «عمل»، فهذا تفسير متجاوز ليس له أى أساس قانونى أو منطقى.
2- لم تلتزم اللجنة بإجراء حوار مجتمعى حول المواد الدستورية الخاضعة للتعديل أو المستحدثة خلال الستين يوما، وهو الأمر الملزم لها بموجب الإعلان الدستورى أيضاً، فقد تم تسليم نسخة الدستور «المعدل» لرئيس الجمهورية دون هذا الطرح الملزم للجنة، ومن غير المتصور أن تكون استضافة بعض فئات الشعب لإبداء آرائهم داخل اللجنة والاستماع إليها وإذاعة هذه الكلمات هو المقصود بالحوار المجتمعى الذى يتعين لإجرائه وضع تصور للتعديلات من قبل اللجنة أولاً ثم تحديد الأطراف الرئيسية المعنية بالدستور كاتحادات العمال والفلاحين والنقابات المهنية ورجال السياسة والدين وأن يستمر الحوار إلى أن يتم التوصل إلى صياغة ترضى جميع الأطراف، ثم يعلن بعد ذلك المنتج النهائى ويطرح على الاستفتاء، وفضلاً عن أنه لم يحدث شىء من ذلك فإن معظم اجتماعات اللجنة كانت مغلقة ولا يدرى الشعب ما يدور فيها، واقتصر دور المتحدث باسم اللجنة على الإعلان عن المواد التى تم إنجازها دون توضيح لطبيعة المناقشات وأصحاب الآراء المختلفة حول قضية معينة أو الهدف من وضع النص بصيغة محددة وإبراز مدى تحقيق هذا النص للصالح العام.
أما من الناحية الموضوعية فقد تخلت اللجنة -سعياً للتوافق- عن ضرورة وضع ضوابط دستورية للمشرع ليلتزم بها ولتوفر له غطاء دستوريا لما يمكن أن يصدره من قوانين مهمة خلال الفترة الانتقالية، وبالتالى يمكن أن تكون هذه النصوص غير دستورية بما قد يؤدى إلى بطلان انتخابات مجلس النواب القادمة، ويدخلنا فى دوامة من عدم الاستقرار، ولإيضاح ذلك نستعرض بعض النصوص الدستورية التى تمثل فخاً للمشرع الاستثنائى، رئيس الجمهورية الحالى.
فقد نصت المادة 243 على أن «تعمل الدولة على تمثيل العمال والفلاحين تمثيلاً «ملائماً» فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون»، كما نصت المادة 244 على أن «تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين بالخارج تمثيلاً «ملائماً» فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور، وذلك على النحو الذى يحدده القانون».
ومفاد النصين أن لجنة تعديل الدستور قد ألقت بكرة اللهب الخاصة بالتمييز الإيجابى لكل من طالب به فى وجه رئيس الجمهورية، فبعد إلغاء نسبة الخمسين بالمائة للعمال والفلاحين رأت اللجنة سعياً للتوافق- أن تُحجم عن حسمها، وأوكلت الأمر للنحو الذى يحدده القانون والذى سيصدره رئيس الجمهورية بما له من سلطة استثنائية للتشريع، وذلك دون أن تحصنه بنص دستورى يرتكن إليه ويعطى له غطاء دستورياً لما سيصدره من قانون، وذات الأمر حدث فى المادة 244 للفئات التى كانت تطالب بحصة فى البرلمان القادم.
ومما تقدم فإنه يتعين على رئيس الجمهورية أن يعمل على تمثيل الفئات الآتية تمثيلاً «ملائماً»: العمال والفلاحون والشباب والمسيحيون والأشخاص ذو الإعاقة والمصريون بالخارج، فكيف له أن يقوم بذلك وقد عجزت اللجنة كمشرع دستورى عن تقديم الحلول أو حتى تحديد الطريق الذى يتعين على رئيس الجمهورية السير فيه؟ فضلاً عما سبق فإن تعبير «تمثيل ملائم» تعبير مطاط وغير قابل للتحديد، فالملاءمة أمر نسبى وما يلائمنى من وجهة نظرى قد لا يلائم غيرى وكلانا على حق، فما معيار الملاءمة؟ هل هو العدد مثلاً؟ إذا قلنا بذلك فالملائم لتمثيل المرأة مثلاً يكون نصف مقاعد مجلس النواب باعتبارها تشكل نصف السكان، وكذلك الملاءمة للعمال والفلاحين والشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين بالخارج، ولا أظن أن أى مشرع على مستوى العالم يستطيع تنفيذ هذا النص والذى إذا ما حاولنا إعماله فمن المؤكد أنه سيصطدم بمبدأى المساواة وتكافؤ الفرص المكفولين بذات الدستور، وهنا مكمن الخطورة لترجيح عدم دستورية أى نص قانونى لا يلتزم بهذه النصوص الدستورية، مما يُعرِض مجلس النواب القادم للحل، لعدم دستورية نصوص قانون الانتخابات.
أيضاً فقد تركت اللجنة لرئيس الجمهورية تحديد النظام الانتخابى، سواء أكان بالقائمة أو بالفردى أو بالمزيج بينهما وبأى نسبة، صحيح أن القانون هو الذى يحدد النظام الانتخابى ولا شأن للدستور به ولكن الصحيح.