أصبح الحديث ساخناً فجأة حين تكلمنا عن قناة الجزيرة.
هذا هو النادى الإعلامى، وهذه هى الجلسة الحوارية التى دعيت لها مع الأصدقاء اللامعين شريف عامر ومحمود الوروارى ورشا علام، التى أدارتها المذيعة ريهام الديب، والحديث عن تغطية القنوات ذات الاهتمام بالشأن المصرى، وكان لا بد أن يتطرق الحديث لـ«الجزيرة»، ولذلك قلت رأيى، وها أنا أكرره.. نحن الذين صنعنا «الجزيرة».
القناة بدأت فى الأساس لتلبية عجز شديد فى المحتوى الإخبارى العربى، وكان لديها من الإمكانات والوسائل ما يجعلها تقدم شكلاً متميزاً من الصورة والحوارات والتحقيقات الاستقصائية والمعارك الساخنة والتغطيات المختلفة من قلب الحدث، ثم أخذ الأمر منحى مختلفا حين بدأ الصدام مع مصر ليغضب «مبارك» من إعلام لم يعتد عليه ويهاجمها الإعلام المصرى بأقلام كبار الكتاب وعبر العديد من الصحف الرسمية ويقول عنها «مبارك»، حين زارها، كلمته الشهيرة: «هى دى علبة الكبريت اللى مولعة الدنيا؟»، ليقدم الجميع، دون أن يدروا، أكبر خدمة لـ«الجزيرة»؛ حيث الرواج والحملة التى عرّفت المشاهد المصرى عليها أكثر، بدلاً من أن تجعله ينفر منها.
«الجزيرة» كانت تقدم شكلاً متوازناً بعقول مصرية وبصمة عربية أعطتها نكهة مختلفة جعلتها تستمر، لكن الغرض مرض، وقطر أصبحت عبارة عن قناة فضائية تبحث لها عن دور فاعل، والأداء بدأ يختلف ليطبق أجندة أميرية تخدم الأمير وحلفاءه وتدخل فى المعارك التى يدخلها وتغض الطرف عن أى انتقادات داخلية فى قطر وتتعامى عن القواعد الأمريكية هناك، وتفقد الذاكرة فيما يتعلق بانقلاب «حمد» على أبيه، وشيئاً فشيئاً حادت «الجزيرة» عن مسارها الأول فبدأت العداوات تتزايد، وبدأ الأمر يصبح تصفية حسابات سياسية تحت اسم المهنية، فإن انحازت «الجزيرة» لأشياء مشتركة أصبحت قناة محترمة، وإن كانت انحيازاتها وأداؤها مختلفاً عن إرادة الكثيرين تحولت إلى قناة عميلة ومحرضة، وهكذا كانت «الجزيرة» قناة الثورات العربية، وسمعنا من يشكرها قبل أن تتحول إلى قناة المؤامرات العربية ونحن نسمع حتى الآن من يلعنها آناء الليل وأطراف النهار.
قلت فى الجلسة: إن القنوات الإخبارية لا تكسب، تقريباً، شيئا، وإن قناة «الحرة» الأمريكية هى أول من اخترقت المنطقة العربية بقناة «الحرة عراق»، التى تخصصت فى الشأن العراقى لتصبح لسان الأمريكان هناك، كما قلت: إننا يجب أن نفتش عن الهدف حتى ندرك الأبعاد، فما الهدف من قناة تتخصص فى الشأن المصرى مثل «الجزيرة مباشر مصر»؟ وكيف تحول الترحيب الأول بها وببرامجها التى قدمها إبراهيم عيسى فى البداية واستضافت رموزا ثورية هاجمتها فى النهاية إلى غضب شديد على أجندتها ومذيعيها وضيوفها؟ وكانت الإجابة: فتش عن الهدف والانحياز.
«الجزيرة» الآن لا تقدم محتوى مهنياً بل محتوى تحريضياً صرفاً لا توجد فيه عدالة فى العرض ولا موضوعية ولا احترافية فى التناول، وبدلاً من مواجهتها بإعلام محترم يقدم شكلاً محترماً وتناولاً مهنياً واجهناها بما انتقدناه فيها.
«الجزيرة» تكذب وتحرض، ونحن لدينا إعلام يكذب ويحرض.
«الجزيرة» تتحدث وفق أجندة دولتها، ولدينا قنوات تتحدث باسم الأجهزة الأمنية.
«الجزيرة» تنحاز لفصيل وتهاجم الآخر دون هوادة، وإعلامنا يفعل المثل على مستوى مختلف.
«الجزيرة» تهاجم إعلاميين مصريين، وإعلامنا يهاجم الإعلاميين المصريين العاملين فيها وضيوفها ويطالب بسحب الجنسية من مذيعيها، ويصل الأمر لنشر عناوينهم فى مصر.
«الجزيرة» زفت، وإعلامنا نيلة، ونحن من صنعنا «الجزيرة»، واللى يحضر العفريت يصرفه.
مش يحضّرله تانيين..
وصلت؟!