غداً يبدأ مجلس النواب دور الانعقاد الرابع له وسط انتقادات حادة لأدائه على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبعض هذه الانتقادات فى محلها، وكثيرٌ منها لا غرض من ورائها إلا ضرب إحدى أهم مؤسسات الدولة فى مقتل.
ومن بين هذه الانتقادات ما يشير إليه البعض تصريحاً أو تلميحاً حول أداء رئيس المجلس الدكتور على عبدالعال، ومقارنته برئيس المجلس الأسبق الدكتور فتحى سرور، ومع الاعتراف بقيمة وقامة «سرور»، التى لا يختلف عليها أحد، حتى أكثر معارضيه تشدداً، إلا أن المقارنة ظالمة لرئيس البرلمان الحالى، فالظرف مختلف، والأجواء التى يعمل فيها «عبدالعال» تختلف عن تلك التى كان يعمل خلالها «سرور»، وقيادة برلمان انتقالى بين مرحلتين فارقتين فى عمر الوطن لا يمكن قياسها بحال من الأحوال بقيادة برلمان مستقر.
وبحكم متابعتى للبرلمان منذ أكثر من 20 عاماً، أرى أن أكثر ما يؤثر على أداء المجلس الحالى منذ انتخابه حتى الآن هو غياب الكبير.
الكبير الذى أقصده هنا هو زعيم الأغلبية البرلمانية -وقت أن كانت هناك أغلبية واضحة- كان زعيم الأغلبية يسيطر على نواب حزبه -الحزب الوطنى آنذاك- وتمتد تفاهماته، وبالتالى نفوذه إلى المعارضة، وهو ما يعنى إجمالاً سيطرته على قاعة البرلمان من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بالمعنى الجغرافى وليس السياسى.
ولم يكن رئيس المجلس «سرور» معنياً أو مهموماً بضبط أداء القاعة وفرض الانضباط على الأعضاء، فقط كان متفرغاً لمهام منصبه كرئيس للبرلمان.
الكبير الذى أقصده كان يمثله الراحل كمال الشاذلى كأفضل نموذج.
البعض كان يراه كبيراً من زاوية علاقته برأس النظام، وآخرون كانوا يتعاملون معه ككبير باعتباره أميناً لتنظيم الحزب الحاكم وأحد أقوى رجاله، وهناك من كان راصداً لشخصيته السياسية والبرلمانية التى تبلورت على مدى عشرات السنين، لبعض هذه الأسباب أو كلها مجتمعة، كان «الشاذلى» كبيراً ومسيطراً، وحاملاً لعبءٍ كان يمكن أن يشغل رئيس البرلمان عن مهمته الأساسية.
أين الكبير فى البرلمان الآن؟ الإجابة قاطعة.. لا يوجد، لأنه لا توجد أغلبية واضحة يمكن أن ننصّب كبيراً عليها، والأغلبية الآن للمستقلين، والهيئات البرلمانية ممثلة لأحزاب معظمها حديثة التأسيس، وتفتقد الخبرة والتقاليد المتعارف عليها فى الممارسة السياسية والبرلمانية سواء، ولهذا قد نرى خلال انعقاد بعض الجلسات مشادات بين نواب تتطور من مجرد التراشق بالألفاظ إلى حدود التشابك بالأيدى، وبسبب غياب الكبير يتحول المشهد إلى خناقة بلدى، ويزيد الطين بلة محاولات نواب آخرين -ليس من بينهم الكبير- التدخل للتهدئة، ولا تعرف وقتها مَن يتشاجر ومَن يهدئ.
الكبير هو كلمة السر ووجوده بهذا المعنى كان يمكن أن يغيّر انطباعات البعض عن أداء البرلمان، وكان بالإمكان متابعة أداء تشريعى أكثر دقة، وأداء رقابى أعمق تأثيراً.
ملاحظة أخيرة: نفتقد الكبير فى كثير من المؤسسات الحكومية، وفى المنظمات غير الرسمية، ويكاد الأمر يتحول إلى أزمة مجتمعية.