من الظواهر الغريبة جداً فى المجتمع المصرى ما يمكن أن نطلق عليه «فن صناعة الأعداء»، والمقصود هنا المواقف والتصرفات والإجراءات والتعاملات التى نقوم بها بسوء نية تجاه أى شخص لشيطنته وتحويله إلى عدو.
وعلى سبيل المثال:
- إذا انفصل طرفان، سواء كانا متزوجين أو فى مرحلة الخطوبة.. نجد فى الغالب أن كل طرف يتعامل ومعه عائلته بعداء شديد جداً تجاه الطرف الثانى.. رغم حالة الانسجام والتوافق التى كانت موجودة قبل مرحلة الانفصال، واعتبار الطرف الثانى دائماً هو السبب فى كل المشكلات والأزمات، وهو الذى يتحمل مسئوليتها بالكامل، وما يتبع ذلك من رفض التماس أى عذر له من جهة، أو تحميل الطرف الأول أى مسئولية عما حدث.. بل والتعامل معه باعتباره شخصية ملائكية نموذجية من جهة أخرى.
- يتكرر ما سبق، لو توفِّى أحد الطرفين، بل ويصل الأمر إلى ترديد فكرة لماذا يموت الطرف التابع لى، ولم يمُت الطرف الثانى؟! فى تجاهل تام لفكرة أن الحياة والموت ليس للإنسان دخل فيهما نهائياً.
- وهو الأمر الذى يتكرر بشكل مختلف مع مَن يترك عمله.. حيث تجده يروِّج الشائعات، سواء عن المكان الذى كان يعمل فيه أو عن رؤسائه وزملائه.. للدرجة التى تجعلك تتساءل: لماذا إذن وافقت على العمل رغم كل ما تروِّج له؟ ولماذا كنت من أشد المتحمسين له وتدافع عنه بكل ما ملكت من قوة بدرجة غير طبيعية؟ بل وكنت ترفض أى نقد موجَّه لهذا العمل؟!
الملاحظ، أن ثقافتنا وتربيتنا لا ترسخان لقبول الاختلاف.. تلك القيمة التى تسمح بالانفصال تحت قاعدة التقدير والاحترام فى التعامل. إن الانفصال فى مرحلة الخطوبة.. ربما يكون أكثر فائدة للطرفين طالما اكتشفا عدم قدرتهما على المشاركة والتوافق مع بعضهما البعض، كما أن الانفصال بين الأزواج فى بعض الحالات يكون هو الحل الأخير بعد نفاد كل المحاولات الممكنة للتوافق والانسجام، كما أن ترك العمل بشكل طبيعى.. يترك انطباعات إيجابية ربما يكون لها أثر فى انطلاقة نجاح جديدة. ما سبق بالقطع ليس قاعدة لكل المشكلات والأزمات، ولكنه الأسلوب الغالب فى التعامل.. بسبب ثقافتنا التى تجعلنا نميل إلى تنميط الأشخاص فى «برواز» محدد لتحديد أسلوب التعامل معهم، وتحديد ما إذا كانوا من الموالين لاتجاهاتنا وآرائنا أم ضدها، وما يتبع ذلك من الحذر منهم والتربص بآرائهم.
نقطة ومن أول السطر..
كل مشكلة أو أزمة دائماً ما يكون لها طرفان أو أكثر.. وفى جميع الأحوال يتحمل كل طرف مسئولية تلك الأزمة بنسب متفاوتة، وهو ما يعنى أن الحل يقع أيضاً على عاتق جميع أطراف المشكلة، ولا يتحملها طرف واحد فى كل الأحوال دون الأطراف الأخرى.