حوار| هشام الخشن: أحلم بـ«بوكر».. و«حدث في برلين» أرهقتني للغاية
الروائي هشام الخشن
دخل ميدان الأدب متأخرًا نسبيًا، لم يضع الجوائز نصب عينيه؛ إلا أن التقدير الذي حاز عليه من جمهوره كان دافعًا له للاستمرار في الكتابة؛ حتى دخلت روايته «جرافيت» عام 2015 قائمة الطويلة لجائزة «بوكر» الأشهر في العالم العربي.
كان هذا بداية التقدير الذي كانت آخر محطاته حتى الآن أن يصبح أول مصري وثاني عربي يوضع اسمه واسم روايته «حدث في برلين» في مجلة معرض «فرانكفورت» للكتاب في دورته الأخيرة.
هشام الخشن، صاحب السهل الممتنع في كتاباته، يبني عالما هندسيا كما كانت دراسته وعمله، ويقيدك بخيوط من حرير لتتم العمل إلى نهايته ولتعيش في عالمه.
الخشن قال في حواره مع «الوطن»، إنه يعتبر الكتابة مجرد هواية ولا يريد أن يأخذها لدائرة التنافس لأنه لن يستطيع إذا دخل هذه الدائرة أن يحرر نفسه من قيودها.
وإلى نص الحوار:
• عرّفنا أكثر بهشام الخشن؟
أنا مهندس مدني، تخرجت في كلية الهندسة جامعة القاهرة، وحصلت على الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحاليا أدير شركة تنمية عقارية.
• ماذا تمثل الكتابة في حياتك؟
أعتبر الكتابة هواية في المقام الأول، وبدأت النشر أواخر عام 2009 بمجموعة قصصية بعنوان حكايات مصرية جدا، وكنت أظن أنني سأقف ولن أكمل لأنها بالنسبة لي كانت مجرد تجربة، لكنها قوبلت بشكل لم أكن أتوقعه، وأدين للدار المصرية اللبنانية بالكثير.
زوجتي أول من قرأ لي
• مَن أول من قرأ لك؟
زوجتي، وشجعتني كثيرا، وأعطيتها أول قصة قصيرة بمجموعتي الأولى وطلبت مني أن استمر، ولم أتوقع أنه سيأتي يوم وأفكر في النشر.
• هل انعكست حياة المهندس على الأديب أو أثرت عليها؟
بداية لا أفضل أن أوصف بالأديب فللكلمة ثقلها؛ فأنا مجرد كاتب، وبالتأكيد العمل بالهندسة مؤثر في تكنيك كتاباتي، سواء من حيث الترتيب المنتظم للفصول في رواياتي أو من حيث الحجم ونفس عدد الصفحات.
• في روايتك «حدث في برلين»، هل الاحتكاك بالغير ولّد فكرتها؟
لا، فهي ولدت من حبي للتاريخ غير المحكي، حيث جاء خيطها عن طريق قراءاتي عن حياة بعض النازيين الذين عاشوا بمصر هربا من اليهود وذراعهم الطولى بعد الحرب العالمية الثانية، أما الكمنجة التي لهث وراءها الجميع في الرواية فولدت الفكرة عندما عرضت «بي بي سي» منذ عامين تقريرا عن بيع كمنجة بحوالي 15 مليون دولار، ومن هنا جاءت فكرة الرواية.
• أيهما أثّر أكثر في كتاباتك، الثقافة الشرقية أم الغربية؟
بلا شك الثقافة الغربية أثرت في كتاباتي كثيرا بسبب تعليمي والسفر منذ الصغر إلى دول مختلفة والقراءات الغربية.
"حدث في برلين" ولدت من حبي للتاريخ غير المحكي
• هل من الممكن أن نرى رواية من تأليفك عن الريف أو الحارة؟
في تقديري لا بد أن يكتب الكاتب عما يعرفه، بالرغم أن أصولي ريفية لكنني لا استطيع أن أكتب عنه كغيري، فالكتابة عن الريف لها أساتذة معروفون، وإذا سألتني عن قدرتي عن الكتابة عن العشوائيات سأقول بكل أريحية أنني سأكون متصنعًا بلا شك وليس هذا ترفعًا ولكن لأنه الواقع فأنا أكتب عن الأقرب لي، فالكبير نجيب محفوظ تستطيع أن ترى الحارة في كتاباته، وليس فينا أحد كنجيب.
إذا نظرنا إلى الكتاب الذين كتبوا عن الصحراء ستجد أن في مقدمتهم صبري موسى ورائعته «فساد الأمكنة» التي كتبها بعد أن عاش في الصحراء عامين فجاءت بهذه العذوبة والروعة.
• أي كاتب شكل الوعي لديك؟ وأيهم حلمت أن تكون مثله؟
أنا من الجيل المحظوظ الذي عاصر كتابات إحسان عبدالقدوس في «الأهرام»، وتابعت «ملحمة الحرافيش» مسلسلة بـ«مجلة أكتوبر» فكان ذلك سببا في تشكيل وعي جيلي، كذلك كتابات عباس العقاد وطه حسين وأضفنا لهم يوسف إدريس ويوسف السباعي، لكن حلمت يوما ما أن أكون مثل إحسان عبدالقدوس.
• ما رأيك في المشهد الثقافي المصري؟
أنا كاتب هاوٍ ولا أستطيع أن أقول أني لست معنيا بالمشهد الثقافي، لكن هو غير مسيطر علي وعلى تفكيري، وأرى أن هناك طفرة كبيرة في القراءة، وهذا هو المهم للكاتب، فهي بدأت بـ«عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني، وتلى ذلك أحمد مراد وأشرف العشماوي، ولا أرى أن ذلك يخلق أزمة لأنني مؤمن أن الجيد سيكمل والسيئ سيتوارى.
لابد أن يكتب كل كاتب عن ما يعرفه
• هل ترى أن هناك بعض الكتاب فاقدي الموهبة؟
محاولة تصوير الثقافة على أنها حكر على مجموعة معينة دون غيرها خاطئ للغاية، الكتابة منتج يخاطب الذائقة؛ ويجب أن نترك لذائقة القارئ تحديد ما ترغب به، وأراه انتخابا طبيعيا، الجيد سيكمل والسيئ سيختفي، ودائما ما أشبه الكتابة بشيئين؛ «متحف اللوفر» و«ديزني لاند» فالاثنان مطلوبان ولكل منهم زبونه ويمكننا أن نقول أن كتابات نجيب محفوظ ويحيى حقي هي اللوفر وغير ذلك من أدب الرعب والمغامرات والجريمة هو ديزني لاند؛ فلكلاهما جمهوره وكلاهما مستمر.
• كيف توفق بين الكتابة والعمل والعائلة؟
العائلة والعمل رقم واحد في حياتي، في بداية كتابتي كانت معدلاتي أسرع من الوقت الحالي، لكن حاليا زاد الوقت الذي أستغرقه رغبةً في إخراج العمل بشكل أكثر إجادة.
لذلك فأنا أرى الأدب هواية ولابد أن أوفر لهوايتي وقتا محددا ولو ساعة يوميا.
• لماذا دائما ما تكرر أنك هاوٍ ولست تنافسيا؟
أنا رجل أحمل خصلة أراها سيئة للغاية وهي أني رجلًا تنافسيًا لا أقبل الهزيمة أبدًا، وخاسر سيئ للغاية لذلك احتفظ بالكتابة في دائرة الهواية، فأنا راضٍ تمام إن قرأ لي قارئ واحد أو 10 آلاف فالتجربة سبب في سعادتي، ولا أريد تحويلها سببا للضغط على نفسي.
• ما أفضل تعليق سمعته من قرائك؟
قيل لي إن رواية «حدث في برلين» هي أحسن ما كتبت، مما أعطاني شعورا بالفخر لأنها آخر رواياتي مما جعلني أوقن أنني في تقدم مستمر.
وعندما كتبت «تلال الأكاسيا» وهي رواية عن مرضى ألزهايمر قيل لي من أناس يعاني أقرباؤهم من نفس المرض أني وصفت ما مررنا به بشكل كامل.
• أي الجوائز تحلم بالحصول عليها؟
عندما كتبت «حكايات مصرية جدا» كنت مازلت دخيلا على الوسط الثقافي، وأهديت الكتاب لأحد الأصدقاء الذي قال لي «عقبال البوكر» فلم أفهم حينها ما يقصد إلا أنه شرح لي أنها الجائزة الأهم في الوسط الثقافي العربي وهي فعلا ما أتمنى الحصول عليه الآن.
أحلم بالحصول على "بوكر".. وإحسان عبدالقدوس مثلي الأعلى
• هل يوجد كتّاب مشهورون لا يستحقون شهرتهم؟
لا أرى أن هناك كاتبا لا يستحق الشهرة، ربما لا تعجبني كتابات كاتب ما رغم شهرته، لكن إذا أعجب أحد بكتاباته فمن حقه أن ينال من الشهرة حظا.
• هل تضع القارئ في حساباتك؟
بالتأكيد وأسمعهم وأستمع لنقدهم، وأحاول أن أطور نفسي لكي ألبي رغباتهم، وأحاول أن أجعل القارئ متفاعلا مع كتاباتي باستمرار، ولا أحب أن تكون كتاباتي مجرد تقليب صفحات، ولابد أن يعيش القارئ التجربة مع مع الكاتب.
• هل من الممكن أن تغير في بناء الرواية التي تعمل عليها تلبية لأحد قرائك؟
لا أراجع رواياتي بعد الانتهاء من كتابتها ولا اراجع بروفات دار النشر، لكن هناك مرحلة أعرض فيها الرواية على مجموعة قليلة من المقربين مني لإبداء رأيهم، ومؤكد أن آخذ ما يقولون بعين الاعتبار لكن لا أغير تغييرا جذريا في العمل.
• لماذا أظهرت كل شخصيات رواية «حدث في برلين» بشكل رمادي؟
كان لا بد من ذلك فالإنسان ليس كاملا على الإطلاق ولا يوجد إنسان نقي على الدوام أو سيئ على الدوام، فلو نظرنا لشخصية «ليليان» في الرواية سنجد أنها استغنت عن ابنتها في سبيل أن تظل ابنتها حية، والطبيب الذي أجرى لها عملية الولادة كان رماديا أيضا ففضل أن تهب ابنتها لأسرة تستطيع تربيتها بدلا من إجهاضها، كذلك شخصية «حاتم» الذي كان على علاقة بليليان لا تستطيع أن تحكم عليه حكما نهائيا فقد حاول مساعدتها لإيجاد حل بعد حملها منه، والأسرة المصرية التي تبنت ابنتها أيضا لايمكن أن تنظر لها نظرة سيئة فقد آوا طفلة لديهم وربوها كما لو كانت عائلتها الحقيقية.
كما لا يجب أن تنظر للعلاقة التي ربطت بين حاتم وليليان من منظور مصري بل يجب أن تنظر لهذه العلاقة من منظور ألماني بحت.
• اكتشفنا أن هناك 10 سنوات كاملة في الرواية لم تخبرنا عنها إلا في أسطر قليلة فلماذا؟
هذا مرتبط بأسلوبي، لأنني لا أحب الإكثار من الإسهاب، وكان من السهل أن أضيف فصلين أو ثلاثة عن حياتها بعدما تركت مصر لكنني أرى أن الإسهاب في الأمور الهامشية لا يفيد، وعلى القارئ محاسبتي إن كان عدم ذكري لهذه المدة قد أخل بالخط الدرامي للعمل لكنه لم يخل.
• لماذا ظهرت بطلة الرواية في حديث إذاعي وليس تليفزيونيا؟
روايتي رواية أصوات، بها 5 أصوات تحكي أحداثها، وبها «كمنجة» لذلك كان لا بد أن يكون حوارا إذاعيا فأنا أؤمن أن الدراما الصحيحة ليس بها صدف ولا أستطيع أن اعتمد على شيء قدري أو من سبيل الصدفة لتحريك أحداث العمل الدرامي.
• هل بدأت في رواية جديدة؟
لم أبدأ بعد، وأشعر بحالة من الفراغ التام، رواية «حدث في برلين» أرهقتني للغاية فالروايات التاريخية مجهدة وتحتاج وقتا للبحث، وأظن أن من حقي أن أسعد بالآراء التي جاءتني بسبب روايتي الأخيرة وأن أرتاح قليلا فقد استغقرت عامين في البحث. وثلاثة أشهر فقط للكتابة.
أشعر بحالة من الفراغ التام بعد رواية "حدث في برلين"
• ما الأقرب إليك.. الرواية أم القصة القصيرة؟
أحب الرواية وأراها أسهل من القصة القصيرة بمراحل، وهناك اتجاها عالميا لكتابة الرواية لعدم توافر جمهور للقصة بقدر جمهور الرواية، ولم تشذ عن القاعدة سوى أليس مونرو، الكاتبة الكندية، والتي حصلت عام 2011 على جائزة نوبل وهي الوحيدة في تاريخ نوبل التي حصلت عليها عن القصة القصيرة وليس الرواية، فهي حالة خاصة وفي نفس الوقت قصصها القصيرة تقترب من النوفيلا.
• حدثنا عن معرض «فرانكفورت» وكيف أخبرتك إدارة المعرض بإدراج روايتك بمجلته؟
المعرض تواصل مع دار النشر وطلب منها إرسال صورة الغلاف، وعلمت بالخبر قبل نشره في الإعلام بـ3 أسابيع وشعرت بسعادة لم أشعر بها من قبل.
مجلة المعرض تنشر نشرة دورية لتنصح دور الترجمة الراغبة في ترجمة الأعمال غير الألمانية، وكانت سعادتي الأكبر عندما أخبرتني إحدى زميلاتي في الشركة أن مدرسة الراهبات طلبوا منها التواصل معي لتدريس الرواية في الثانوية العامة الألمانية، وتواصلت معهم واختاروا الرواية بمقرر الثانوية العامة الألمانية.
أنا كاتب هاوٍ ولا أستطيع أن أقول أني لست معنيا بالمشهد الثقافي لكن هو غير مسيطر عليّ وعلى تفكيري
• هل جاءتك أي عروض لترجمة «حدث في برلين» بعد معرض فرانكفورت؟
هناك اتصالات جرت لكن لم تتم أي خطوات جدية بعد.
• من أين جاء حبك للغة العربية؟
أحببت اللغة العربية من جمال فودة أستاذي في الثانوية العامة بمدرسة بورسعيد في الزمالك، وعشقت الأسلوب الأدبي من ليلى راتب أستاذة اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية وأهديت لهما رواية «آدم المصري»، لكنهما توفيا قبل نشر العمل.
• هل من الممكن أن تكتب كتابا فكريا وليس عملا روائيا مستقبلا؟
نعم، إذا وجدت فكرة من الممكن أن أكتب عنها، وإذا وجدت القدرة والمادة التي من الممكن أن أضع المادة بها.