مستشار مفتي الجمهورية يكشف لـ«الوطن» تفاصيل استراتيجة تفكيك الفكر المتطرف
د. إبراهيم نجم
قال الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء في العالم، إن دار الإفتاء تتخذا استراتيجة شاملة لتفكيك الفكر المتطرف، لإيصال رسالة الدار فيما يتعلق بمواجهة التطرف لكل الفئات والإعمار في الداخل والخارج.
ودعا «نجم»، خلال حواره مع «الوطن»، إلى ضرورة النظر إلى التراث الإسلامي بالتجديد، فتوسيع دائرة الثوابت بغير حق يضيق على الناس دينهم ودنياهم.
إلى نص الحوار:
- ماذا عن سبل دار الإفتاء لمواجهة موجات التطرف ونسف جذورها؟
- انتهجت دار الإفتاء استراتيجة جديدة لتفكيك الفكر المتطرف، لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، لذلك اتبعت الدار عدد من الآليات الحديثة والوسائط المتعددة، لإيصال رسالة الدار فيما يتعلق بمواجهة التطرف لكل الفئات والأعمار في الداخل والخارج، كان على رأسها مراكز الدار البحثية، واستحداث وحدة الدراسات الاستراتيجية، التي تنتهج في عملها مجموعة من الأدوات الرصدية، كذلك دشنت الدار مؤخرا مجموعة مشروعات تصب جميعها في صالح تفكيك الفكر المتطرف ورصد الجماعات المتطرفة ومعاقلها وأفكارها.
أمين دور وهيئات الإفتاء في العالم: نعمل على تقديم البدائل العصرية لمشكلاتنا الدينية والثقافية
- تحدثتم عن آليات جديدة لمواجهة ملف التطرف فما هي؟
- أطلقت الدار في نهاية العام المنصرم وتحديدا خلال مؤتمرها العالمي في أكتوبر الماضى «المؤشر العالمي للفتوى» وهو أول مؤشر من نوعه في هذا المجال، تنفذه وحدة الدراسات الإستراتيجية بالأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والمنصة الإلكترونية التابعة للأمانة، والتي تضم 2000 ساعة صوتية ومرئية، بهدف المشاركة الفاعلة في تجديد الخطاب الديني، عبر تقديم نماذج واقعية في التجديد والتطوير وتأسيس المناهج والأفكار، مع تقديم البدائل العصرية لمشكلاتنا الدينية والثقافية، وكذلك انتهجت الدار بناء شراكات علمية لدعم المنهج الوسطي باعتباره خطَّ الدفاع الأول عن الإسلام الصحيح، كما دشنت الدار وحدة «الرسوم المتحركة»، التي تقوم على عرض الأفكار المغلوطة التي ترددها جماعات الظلام ثم الرد عليها ودحضها بطريقة ميسرة عن طريق تقديم المعلومات والفهم الصحيح عبر تقنيات الرسوم المتحركة.
مستشار مفتي الجمهورية: نؤهل أئمة مساجد المسلمين في الخارج ليكونوا قادرين على مواجهة الأفكار المتطرفة وموجات الإسلاموفوبيا
- وماذا عن مواجهة التطرف على المستوى الدولى؟
- نعمل في الخارج وفق عدة مسارات، منها تأهيل أئمة مساجد المسلمين في الخارج ليكونوا قادرين على مواجهة الأفكار المتطرفة وموجات الإسلاموفوبيا ومساعدة المسلمين على الاندماج داخل مجتمعاتهم في الغرب، وكذلك كان للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم دور بالغ الأثر في هذا الملف، فبدأ مركز التعليم عن بعد التابع للأمانة في استقبال أولى دفعات المتدربين للدراسة بنظام الساعات المعتمدة لمدة عام لتأهيلهم على مهارات الإفتاء ومواجهة الفكر المتطرف، وتَقدَّم للدراسة في الموقع في دورته الأولى خمسون طالبًا وطالبة، من عشرين دولة، منها ثمانية دول إفريقية، ويستهدف البرنامج التأهيلي العاملين في مجال الإفتاء الراغبين في التصدر للفتوى، الذين يتطلعون إلى رفع كفاءتهم العلمية وتنمية قدراتهم، حيث تنقسم فيه الدراسة إلى فصلين دراسيين على مدار العام، يتعلم الطالب فيها عشرة مقررات دراسية عبر «موقع التأهيل الإفتائي» التابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، والذي جاء تنفيذًا لتوصية الأمانة العامة في مؤتمرها الثاني المنعقد في أكتوبر 2017.
- حدثنا عن تفاصيل الدراسة من خلال "موقع التأهيل الإفتائي" وأهمية إطلاقة في الوقت الراهن؟
- الموقع خطوة مهمة على طريق مجابهة الفكر المتطرف ويعد الأول من نوعه لرفع الكفاءة العلمية لأئمة المساجد والمتصدرين للفتوى في العالم، وسيعمل على توفير المعرفة والمهارات اللازمة للدارسين فيه من مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى تنمية ملكاتهم، وتدريبهم على الفتوى، وذلك من خلال تقديم مقررات إلكترونية متخصصة في العلوم الفقهية، والعلوم اللازمة لعملية الإفتاء، باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، وبهدف تكوين بيئة تعليمية وتدريبية تفاعلية فائقة الجودة والمحتوى.
«نجم»: علينا أن ننظر إلى التراث الإسلامي بالتجديد.. وتوسيع دائرة الثوابت بغير حق يضيق على الناس دينهم ودنياهم
- وهل ترى أن قضية تجديد الخطاب الديني وتحديد القضايا الواجب إعادة النظر إليها وثيقة الصلة بدحر ظاهرة التطرف؟
- من المؤكد أن تجديد الخطاب سيساهم بشكل كبير في دحر التطرف، ومن أهم القضايا التي يجب الالتفات إليها وبيانها عند تجديد الخطاب الديني، تحديد القضايا التي استند إليها الفكر المتشدد في تصدير الوجه الدموي المفترى على الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج، مثل قضية الجهاد بمفهومه الصحيح الذي يحافظ على الإنسان ما دام لم يعتد على الفرد أو المجتمع أو القانون الذي يحكم علاقاتهم ويرفع النزاع من بينهم. وقضية التجديد ترتبط ارتباطا وثيق الصلة بتفكيك الفكر المتطرف وكشف ضلاله وفساده لتحصين شبابنا ومجتمعاتنا من شر هؤلاء جميعا.
وفى سبيل ذلك علينا أن ننظر إلى التراث الإسلامي غير الكتاب والسنة باعتباره عملا تراكميًا محترمًا ولكنه ليس مقدسًا، بمعنى أننا نستفيد من مناهج السلف الصالح فيه، لأنها مبنية على اللغة والعقل وقواعد تفسير النصوص، ولكن في نفس الوقت لا نلتزم بمسائلهم، التي ارتبطت بسياق واقعهم وقتها، فالمشكلة الكبرى عند ذوي الفكر المتشدد والمنحرف أنهم يحاولون توسيع دائرة الثوابت بغير حق حتى يضيق على الناس دينهم ودنياهم فيسهل عليهم تبديعهم وتفسيقهم وصولا لتكفيرهم، بل ينحرف فكرهم إلى استباحة دمائهم.