سكرتارية البطريرك وطبيبه الخاص يكشفون أسرار الساعات الأخيرة
البابا الراحل فى لقاء سابق مع طبيبه الخاص
أجواء من القلق والتوتر تنتاب قاطنى المقر البابوى بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، من كهنة ورهبان وأساقفة، كان ذلك هو الحال خلال الأسبوع الأخير من حياة البابا شنودة الثالث فى مارس 2012، مع التدهور الكبير فى صحة البابا، حتى جاء يوم السابع عشر من مارس لذات العام، كانت الأوضاع مختلفة، فالكل دخل يصلى لله ليشفى البابا العليل، متشفعين بالعذراء والقديسين، فقد كانت حالة البابا فى اليوم السابق هى الأصعب طوال فترة مرضه التى امتدت لسنوات، وجعلته زائراً دائماً لمستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية.
اللحظات الأخيرة فى حياة البابا الراحل تحدث عنها الراهب بولس الأنبا بيشوى، سكرتير البابا الشخصى، الذى رافقه فى هذا اليوم، قائلاً: «البابا كان مريضاً جداً فى الأسبوع الأخير له، الأمر الذى تسبب فى اعتذاره عن عدم إلقاء عظته الأسبوعية يوم 14 مارس، إذ كان المرض قد اشتد عليه فى العظة السابقة وانتابته الآلام، ولكن اشتدت هذه الآلام على البابا يوم الجمعة 16 مارس، وظل يتألم جداً حتى فجر يوم السبت 17 مارس، ولم يكن هناك فريق طبى خلال الـ48 ساعة السابقة على وفاته مقيم مع البابا الذى كان يقيم وقتها بالدور الثانى فى المقر البابوى»، وأضاف بولس أن البابا فى يوم السبت 17 مارس، لم يتألم قبل وفاته كما ردد البعض، فقد كان يوماً عادياً ولم يدخل البابا فى نوبات غيبوبة مطلقاً، كل ما فى الأمر أنه كان يستريح قليلاً أو ينام لوقت قصير، ثم يستيقظ، لكنه توفى فى طمأنينة وسلام دون أى توجع أو ألم داخل مسكنه وعلى فراشه وليس فى أى مكان آخر، مشيراً إلى أن البابا كان لآخر وقت فى كامل تركيزه ولم يفقد الوعى أبداً عكس ما أشيع، وأشار الراهب إلى أنه كان يرافق البابا فى هذا اليوم وإلى جانبه كل من «القمص بطرس بطرس جيد ابن أخو البابا، والأنبا أبوللو أسقف جنوب سيناء، والأنبا أرميا سكرتير البابا، وطبيب البابا الخاص الدكتور ماهر أسعد»، وكان الأنبا أرميا هو أول من دخل غرفة البابا واكتشف وفاته فى تمام الساعة الخامسة والربع مساء 17 مارس، وحكى فى لقاء صحفى الأنبا أرميا عن هذا اليوم، مشيراً إلى أن هذا اليوم كان عجيباً والبابا كان مريضاً جداً والآلام زادت عن الحد، وكان من المقرر أن يزور الطبيب وقتها.
"بولس": لم يدخل فى غيبوبة أو يفقد وعيه.. و"أرميا": أنا أول من علم برحيله.. و"صرابامون" حمل وصية دفنه
وعن تفاصيل هذا اليوم، يقول الأنبا أرميا: «ذهب الأنبا يؤانس سكرتير البابا للصلاة، وأبونا بولس، سكرتير البابا بدير الأنبا بيشوى، نام، ولم أستطع أن أذهب للصلاة وأتركه وجلست حتى الثامنة والنصف واستأذنته أن أصلى وأعود فقال لى اطلب من الله أن يريحنى، فلم أرد، فقال «عاجبك التعب اللى أنا فيه» فلم أرد، وذهبت للصلاة وعدت فسألنى «قلت لربنا اللى طلبته منك؟، فوضعت وجهى فى الأرض، فسألنى «عاجبك اللى أنا فيه»، فقلت سآتى لك بدواء، فرد: تفتكر هينفع؟»، وأضاف الأنبا أرميا أن البابا رفض يومها زيارة الطبيب، قائلاً: «كانت مرة غير كل مرة، وجاء الدكتور ماهر أسعد وكانت الساعة الخامسة عصراً، وجاء الأنبا أبوللو أسقف سيناء يرغب فى السلام عليه قبل السفر، فاعتذرت له لمرض البابا، ودخلت لأبلغ البابا بوصول الطبيب، وحين دخلت فوجئت بوفاته وناديت عليه «يا سيدنا» حتى لا يتركنا وحين سمعنى الدكتور ماهر قال لى «مالك؟، قلت له «سيدنا خلاص»، ارتاح من الألم ونحن سنكمل جهادنا».
أما طبيب البابا الخاص، الدكتور ماهر أسعد، فقد أشار إلى أن البابا شنودة فارق الدنيا إثر تعرضه لهبوط حاد فى الدورة الدموية، ولم يكن الأمر مفاجئاً، فقد كان البابا يعرف أن أيامه باتت معدودة بعد أن ساءت حالته الصحية، وتأكد من عدم جدوى تلقى العلاج، حيث فقد السيطرة على الأمراض التى أصيب بها، حيث أصيب بسرطان الرئة ومن ثم انتشر المرض اللعين وانتقل إلى العمود الفقرى.
شاع الحزن فى أرجاء الكنيسة، وانتقل خبر الوفاة خارج جدرانها، وقامت سكرتارية البابا بنقل الجثمان من القلاية -مقر سكن البابا- إلى العيادة الخاصة المجاورة للقلاية بالدور الثانى بالمقر البابوى، وحضر الأساقفة إلى الكاتدرائية، وكان الأنبا صرابامون أسقف ورئيس دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، يحمل الوصية الخاصة بدفن البابا شنودة، التى سلمها له البابا فى ديسمبر 2011، وكان مفادها أن يتم دفنه بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، ورافق الجثمان فى العيادة الخاصة الأنبا بولا أسقف طنطا، والأنبا أرميا، والقمص بطرس بطرس جيد، فضلاً عن الدكتور ماهر أسعد واثنين من الأطباء الآخرين، وتم تحرير محضر كنسى بالوفاة، وتم حقن جثمان البابا بمادة الفورمالين التى تستخدم لحفظ الأنسجة البشرية، وتم تحنيط جسده، وكُفن فى ثياب البطريركية التى كان قد ارتداها فى عيد الميلاد الأخير، فضلاً عن عصا الرعاية الذهبية والتاج الملوكى المنحوت عليه صورة السيدة العذراء.
ونظراً لأن البابا كان كاتباً وصحفياً وشاعراً، فقد سرت شائعات حول مذكراته الشخصية التى لم يعثر عليها، إلا أن الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا كشف لـ«الوطن»، أن الكثير من كتابات البابا الراحل لم تُنشَر بعد، واصفاً البابا شنودة بأنه علامة فارقة فى تاريخ الكنيسة، ومرجع مهم فى اللاهوت والتعليم بشكل عام.