أرجوك أن تتحمل قراءة كلماتى للنهاية بعقل قادر على الربط وضمير غير منحاز لأى طرف. بالطبع صدمَتك حادثة نيوزيلندا بقتلاها الـ49 ومصابيها الذين قاربوا ذلك العدد من مسالمين كانوا يعبدون الله فى مسجدهم. ولكن قبل أن تكون من ذلك الفريق الذى ردد أن هذا رد فعل طبيعى لما يعانيه الغرب من العرب وسلوكيات المسلمين الخاطئة فيه، أو من ذاك الفريق الذى قال ها هم المسلمون المتهمون دوماً بالإرهاب يُقتلون بإرهاب الغرب المتهِم لهم بالعنف، قبل أن تكون من هؤلاء أو أولئك استعِدْ معى أوصاف القاتل ووثائقه لتدرك أن القصة ليست بقصة دين.
فالقاتل «تارنت» أسترالى الجنسية لا يتجاوز عمره 28 سنة، صوَّر جريمته على الهواء مباشرة عبر «فيس بوك»، وقال فى وثائقه التى عثرت عليها الشرطة إن قدوته هو «أندرس بريفيك». قد تسألنى عن ماهية تلك القدوة القاتلة؟ فأجيبك بأنه شاب نرويجى ارتكب فى 22 يوليو عام 2011 مذبحة قتل فيها 78 فرداً نرويجياً فى أقل من ساعتين ولم تعرف الجريمة بأنها من فصيل كراهية المسلمين.
ففى صباح ذلك اليوم قام «بريفيك»، 28 سنة -فى ذلك الوقت- بتفجير قنبلة فى أحد المبانى الحكومية النرويجية ليقتل 8 ضحايا من المسئولين فيه. ثم انطلق إلى معسكر صيفى تابع للحزب الاشتراكى الديمقراطى النرويجى الداعى للتقارب بين الثقافات، ليقتل 66 شاباً وطفلاً ويصيب آخرين بإصابات متفاوتة، فيما وُصف وقتها بأنه أكبر حادثة قتل جماعى فى النرويج منذ الحرب العالمية الثانية. لم تكن الحادثة هى عنصر المفاجأة الوحيد فى مجتمع كالنرويج ذى الرفاهية المجتمعية تماماً كنيوزيلندا، ولكن ما عُثر عليه من وثائق فى جهاز الكمبيوتر الخاص بـ«بريفيك» يومها وعُرف باسم «مانيفستو بريفيك» والمكتوب بالانجليزية فى 1518 ورقة نشرته وكالة فرانس برس. وعرَّف «بريفيك» نفسه فيها بأنه أحد قادة الحركة القومية الأوروبية المتحدة الوطنية للمقاومة. وكان عنوان المانيفستو «الإعلان الأوروبى للاستقلال» وتحته عنوان فرعى باللاتينى حمل اسم «تنظيم فرسان المعبد» نسبة لفرسان المعبد الذين شاركوا فى الحروب الصليبية واشتهروا بالوحشية.
وقال «بريفيك» إنه أعد لجريمته منذ العام 2009، أى قبلها بعامين، وإنه يعادى الاشتراكية والشيوعية والإسلام الاستعمارى العنيف، وطالب بتدميرهم جميعاً لحماية أوروبا، كما انتقد فى أوراقه الاتحاد الأوروبى المتسلط وأجهزة الإعلام الأوروبية. وأمام المحكمة التى استمرت 10 أسابيع حُكم عليه بالسجن فيها 21 سنة هى أقصى عقوبة، حيّا «بريفيك» العالم بتحية «هتلر»!
إذن، الأفكار واحدة، تعلمها أوروبا ومخابراتها التى تحذر فى ألمانيا كما فى فرنسا وبريطانيا والنمسا وإيطاليا من اليمين المتطرف المتصاعد بقوة، تماماً كما تعلم ما لديها من أعداد وأماكن المتطرفين والجماعات التى ترفع الإسلام شعاراً لها.
ولذا فما بين تصاعد للإرهاب المعنون باسم الإسلام زوراً أياً كان هواه (إخوان، ملالى، سلف) وبين اليمين المتطرف المعلَن معاداة الإسلام واللاجئين والاشتراكية والاتحاد الأوروبى، ورغم ذلك بات يتسلل إلى مفاصل أوروبا بأنظمة الحكم، وما بين إسرائيل وصهيونية تسعى لنشرها، يمكنك أن تقرأ مشاهد العبث التى يحياها العالم فى يومنا هذا، ولكن أرجوك أن تبعد عنها الدين أياً كان المعتقد. فالله برىء من الظلم الذى هو فعلنا نحن البشر. حاول أن تجد العلاقة بين ما يحدث فى فرنسا من حرق ونهب فيما يسمى «السترات الصفر» حتى يوم السبت الماضى، وبين حادث نيوزيلندا وبين «بريفيك» وبين «أليكس» قاتل مروة الشربينى وبين القاعدة وبين داعش وبين من أردت من كل مَن يدعون الدفاع عن الدين. ولا تصدقهم فإنهم يُشعلون فتيل الحرب.