أدعو كل شخص أن يكتب منشوراً يفتخر فيه بأمه، ويذكر موقفاً من مواقف أثرها عليه، سواء أكانت أمه من الأموات أو من الأحياء، ولو أن المدرس حكى لتلاميذه عن موقف جميل لأمه، والأستاذ الجامعى حكى لطلابه عن بره بوالدته، وكل منّا كتب موقفاً عن فضل والديه عليه سيكون لذلك أطيب الأثر، وآية من معانى الوفاء فى البر، ولنعلم علم اليقين أن كل توفيق يصيب الإنسان فى حياته راجع إلى رضا أمه عنه، وإذا تعثر إنسان فى حياته ورزقه وعمله فليبحث عن رضا الوالدين عموماً والأم خصوصاً، فإن رضا الأم وطاعتها هو المفتاح والمدخل والطريق لكل سعادة، لذلك عندما توفيت أمى -نضَّر الله وجهها- لم أجد عبارة أكتبها تعبر عن بعض فضائلها إلا أن أقول: «توفيت وهى عنى راضية».
وقد سمعت علماء ومفكرين وسياسيين ولاعبى كرة وفنانين وفنانات يتحدثون عن أمهاتهم وفضلهم، وذلك مما يسعد النفس، ويكون له أطيب الأثر وأعمقه، لأن قيم ومبادئ وأخلاقيات وتفانى جيل أمهاتنا أمر فى غاية العجب.
تحدثوا أيها الشباب وأيتها الفتيات عن أمهاتكم، واكتبوا عن مواقفهن الرائعة، وعما بذلنه لكم، تحدثوا حديث فخر وعلو وامتنان عن تحمل أمهاتكم وبساطتهن، وكيف أنهن صنعن منكم أساتذة ومدرسين وأطباء ومهندسين وصحفيين ومهنيين وعلماء ومفكرين وباحثين وأصحاب أعمال مختلفة من لا شىء، ومن كانت أمه على قيد الحياة وسألها عن ذلك فستخبره كيف أنها منعت نفسها من لقمة لتطعمها له.
أليس الله خصَّ الأم بعناية زائدة عن الأب لما تتعرض له من آلام وصعوبات خلال فترة الحمل والولادة؟ وهى التى تحتضن أبناءها فى صغرهم، وتعتنى بهم، وتعلمهم حتى يستطيعوا الاعتماد على أنفسهم، ولفضلها العظيم أشار إلى ذلك الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذ جاء رجل إليه فقال: (يا رسولَ اللهِ، من أحقُّ الناسِ بحُسنِ صَحابتى؟ قال: أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أُمُّك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك)، وبذلك أعطاها حق الأولوية فى البر والإحسان والطاعة والمعروف.
وإن البر الحقيقى لوالدينا يكون بالتصدق على أرواحهم، والدعاء لهم، والافتخار بهم، ثم علينا التخلّق بأخلاقهم فى البساطة والكرم، واقتفاء أثرهم فى عبادة الله بالتدين الطبيعى، ونبذ التدين الشكلى الغارق فى التشدد والتزمّت.
إن أمهاتنا وآباءنا كانوا يملكون تديناً طبيعياً ذاتياً، ينفى الخبث، ويرفض التشدد، لذلك ترى أمهاتنا لا يرتدين النقاب، وآباءنا لا يلبسون الجلباب القصير، ويعتبرون ذلك عيباً، وتراهم يحبون آل البيت، ويتشوقون لزيارة مقام ومسجد سيدنا الحسين، وما إن يسمع أبٌ أو أمٌ اسم الإمام الحسين -رضى الله عنه- إلا ويسلّم عليه، ويطلب الدعاء من الله عنده.. حُقَّ لنا أن نفتخر بهم.
وقل مثل هذا فى الزوجات، وما يتحملنه فى تربية الأولاد والعناية بهم وبالبيت فى ظل انشغال بعض الأزواج بأصدقائهم وأعمالهم، فالزوجة لها فضل ومنّة، ولا يقدّر تعبها إلا كريم، ولا ينتقص منها ويهينها إلا لئيم.