عادة ما يتحدث الاقتصاد عن سوق محلى «ضيق» مهما زاد عدد المستهلكين والبائعين فيه، وسوق عالمى «متسع» يضم كل المنتجين والمستهلكين حول العالم.
وينصح الاقتصاد دائماً بالتركيز على السوق العالمى، فى ضوء العولمة التى تجتاح الأرض حالياً، وحوَّلتها إلى قرية صغيرة يمكنك التنقل وبحرية بين كافة بِقاعها.
ومع حركة التطوير الكبيرة التى شهدها القطاع العقارى فى مصر مؤخراً، بالتزامن مع خطة الدولة لتنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية، من بينها مدن جديدة يتم تنفيذها بمواصفات عالمية، على غرار «العاصمة الإدارية - العلمين الجديدة - المنصورة الجديدة - مدينة المستقبل»، أصبح لزاماً على المطوِّرين الانتقال برؤيتهم التسويقية من السوق المحلى إلى السوق العالمى، وجذب مشترين أجانب للعقار فى مصر، وهذا التوجه هو ما يطلق عليه عالمياً مصطلح «تصدير العقار».
وسجَّلت عوائد الدول من تصدير العقار 300 مليار دولار، وفقاً لأقل توقعات المحللين والتقارير لحجم هذا السوق فى 2018، فيما لم تحصل مصر من هذا الحجم الضخم سوى على بضعة ملايين من الدولارات، مثَّلت مبيعات بعض الشركات لمجموعة من الوحدات لعملاء أجانب.
فمنظومة تصدير العقار كانت تسير وفقاً لجهود فردية، إلى أن وضعها الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء الحالى، على قائمة أولوياته، وبدأ فى وضع خطة متكاملة لاستهداف هذا السوق، وحدد استراتيجية عمل الحكومة لجذب المشترين الأجانب، وقام بالتنسيق مع القطاع الخاص الذى وجد فى هذه المبادرة ضالَّته للهروب من السوق الضيق، وزيادة مبيعاته بالاعتماد على شرائح جديدة من العملاء بخلاف العملاء المصريين.
تستهدف الحكومة تحصيل 3 مليارات دولار من تصدير العقار سنوياً خلال الفترة المقبلة، ويمثل هذا الرقم نحو 12% من إجمالى الصادرات المصرية، وأكثر من 30% من إيرادات النشاط السياحى، وأكثر من 25% من متحصلات النقد الأجنبى الناتجة عن توافد الاستثمارات الأجنبية المباشرة للسوق المصرى.
واتخذت الحكومة أولى خطواتها فى هذا الطريق، بعد أن قررت منح الإقامة للأجانب لمدة 5 سنوات مقابل شراء عقار بقيمة 400 ألف دولار، أو إقامة لمدة 3 سنوات لعقار بقيمة 300 ألف دولار، ثم تبعتها بقرار المشاركة بجناح رسمى فى المعارض الخارجية على غرار معرض ميبم الدولى الذى شاركت فيه وزارة الإسكان مؤخراً بجناح رسمى.
كما خصصت بعض الشركات العقارية جزءاً يتراوح ما بين 20 و30% من وحدات مشروعاتها لتسويقها بالخارج، من خلال المعارض الخارجية، ومخاطبة الأجانب خلال الفترة المقبلة.
وهنا وفى إطار تركيزنا على تصدير العقار، ينبغى الاهتمام بجانبين: الجانب الأول يرتبط بدراسة تجارب الدول التى تمثل وجهات أولى لشراء العقار عالمياً، مثل أيرلندا، والإمارات، وإستونيا، التى تمثل المراكز الثلاثة الأولى فى جذب المشترين الأجانب للعقار حول العالم.
وتحليل تجارب هذه الدول بشكل دقيق، واستخلاص ما يتناسب منها مع طبيعة السوق المصرى وظروفه، واستلهام بعض الأفكار منها، لتطبيقها على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلق بسياحة الترفيه والتجارة فى الإمارات ودورها فى تسويق العقار، ومزايا الإقامة التى تمنحها إستونيا، والتى حوَّلتها لمركز لرجال المال والأعمال من مختلف أنحاء العالم، فضلاً عن العمران المتطور فى أيرلندا، والضمانات التى يحصل عليها العميل، والتى دفعت لتحسُّن الإقبال على شراء العقار بها بشكل ملحوظ، ونمو سوقها العقارى بنحو 50% فى آخر 3 سنوات.
الجانب الثانى يتعلق بقائمة الدول التى يهتم مواطنوها بشراء العقار خارجياً، وضرورة تركيز التسويق الخارجى للعقار المصرى عليها، لضمان فاعلية النتائج، وعدم استهداف أسواق منخفضة التوجه لشراء العقار فى الخارج.
وضمن هذه القائمة يأتى البريطانيون فى المركز الأول، حيث أظهرت إحصائيات دولية أن البريطانيين هم الشعب الأكثر تطلعاً لتملُّك العقار فى خارج وطنهم عالمياً، ويأتى بعد ذلك الروس الذين يتطلعون لشراء العقار بغرض الإقامة لفترات طويلة بغرض التنزه كل عام.
ويحتل المرتبة الثالثة الخليجيون، حيث أظهرت الدراسات أن شراء العقار بغرض الاستثمار والإقامة السياحية ضمن أولويات شعوب الخليج العربى، وخاصة السعودية والإمارات.