«نحن يا أختاه نحيا.. فى ظلام وشرور.. بين آهات وشكوى.. مثلما بحر يمور.. ديننا أمسى غريباً.. وبنوه فى الهجير.. كل من رام المعالى.. صار مطلوباً خطير.. سامنا بالظلم لؤماً.. كل جلاد يجور.. فقد غدونا بعد هذا.. مثل بركان يثور»!!.
انتظروا معى قليلاً قبل أن تتعجبوا كثيراً، أو تذهب عقولكم إلى أن ما سبق من شعر متطرف ركيك شكلاً ومضموناً هو من كلماتى لا سمح الله!!! ولكنه فى حقيقة الأمر من كلمات من أُطلق عليها «شاعرة داعش»، أو الفتاة الجهادية «أحلام النصر».. شاعرة داعش!! فهل هناك شعراء لـ«داعش»؟؟ نعم، وبكل أسف، وأكثرهم من النساء.
ولعلى تذكرت وأنا أكتب سطورى الآن مقالاً مطولاً نُشر بمجلة «نيويوركر»، والذى جاء تحت عنوان «إذا أردت أن تعرف الجهاديين اقرأ شعرهم»، وكتبه كل من الناقد والمترجم الأمريكى روبر كروسول، وبرنار هيكل المختص بـ«داعش» وقضايا الشرق الأوسط. والكارثة الكبرى ليست فى نظم النساء للشعر، ولكن الكارثة الحقيقية تكمن فى وجود النساء بالأساس داخل التنظيمات الإرهابية، النساء اللاتى يشكلن نصف عدد سكان الكرة الأرضية، والمسئولات عن تربية وتنشئة وتخريج النصف الآخر من الرجال للعالم.
وأود أن أشير فى عجالة إلى كارثة ستكون من أشد كوارث الإنسانية، فقد باتت كالقنبلة الموقوتة، الموجودة حالياً فى مخيم «الهول»، والتى صنعها صانعو الإرهاب وداعموه بكل أسف من أصحاب المصالح حول العالم، حيث بلغ عدد المعتقلين حتى الآن فى هذا المخيم الواقع شرقى الحسكة فى الشمال الشرقى من سوريا ما يقرب من 73 ألف معتقل غالبيتهم من النساء والأطفال من أسر الدواعش ممن كُتبت لهم النجاة من المعارك الدموية لتصفية ذلك التنظيم الإرهابى أو القضاء على آخر معاقله بمنطقة «الباغوز». ولن أستفيض كثيراً هنا فى تلك الجزئية، حيث سيكون لنا حديث مفصل عن تلك المأساة الإنسانية الشديدة الخطورة، والتى لا أدرى كيف سيتم التعامل معها على المستوى الإنسانى أو حتى السياسى.
ونعود لما كنا قد بدأناه، حيث درج بنا الحديث فى المقال السابق إلى التطرق لكتاب «النساء والإرهاب»، الذى يُعد -كما أتصور- تحليلاً فريداً ومعمقاً، قامت من خلاله الكاتبتان آمال قرامى ومنة العرفاوى بالسرد التاريخى لعلاقة النساء بالتطرف والإرهاب، وذلك باستخدام منهج تكاملى فى تحليل هذه الظاهرة الكارثية حقاً والمسكوت عنها فى مجتمعاتنا لحد بات يدعو للعجب!.
ولعل أفضل ما قدمتاه هو دمجهما للسرد التاريخى بعدد من التخصصات والمجالات المختلفة، مما جعل الكتاب ثرياً جداً بالنسبة للقارئ، ويعطى لنا القدرة على فهم وتحليل علاقة المرأة بالتطرف وتوجهات الإرهاب النسائى واحتمالات توسعه فى المستقبل، وكأن الكتاب ينير شعلة فى ظلام ذلك المبحث المهمل أو النادر تناوله بشكل جدى أو بحثى.
ولحديثنا بقية..