بسبب تداعيات الشيخوخة نصح الطبيب بأن يتم تركيب أنبوب معدى لوالدتى، وقال إن تكلفة العملية لا تزيد على تسعة آلاف جنيه، وإن وقت تركيبها لا يزيد على عشرين دقيقة، لكن الحظ العاثر قادنى وإخوتى إلى مستشفى استثمارى فاخر من تلك التى انتصبت منذ سنوات فى شوارع المهندسين، وكانت النتيجة أننا دفعنا بدلاً من التسعة آلاف جنيه مئات الآلاف من الجنيهات، وأن العملية التى لا تستغرق سوى عشرين دقيقة جرت وراءها أربعين يوماً كاملة من المعاناة، كانت والدتى فيها فى حجرة العناية المركزة بين الحياة والموت، وكان تبرير ما حدث أن الطبيب الكبير الذى قيل إنه أفضل من يجرى هذه العملية قد أخطأ وهو يجريها، وكان قمة الفجور الإنسانى والمهنى أن يجبر المريض وأهله على دفع فاتورة الخطأ الطبى بمئات الألوف من الجنيهات وإلا فالموت فى انتظار المريض.. وكان من اللافت لنظرى أنه بعد هذه التجربة الصعبة بشهور قيض الله لوالدتى طبيباً شاباً نزيهاً نظيف اليد أجرى لها العملية فى ثلث ساعة فقط وبتكلفة بسيطة للغاية.. لقد بدا لى الأمر وكأن هناك عصابات متكاملة تتقاسم الأدوار فيما بينها، فالطبيب الكبير يتعامل مع مستشفى استثمارى ويهمه أن يعمل المستشفى فإذا كانت الحالة لا تقتضى بقاء فى المستشفى أخبرك أنه يجب أن تبقى عدة أيام تحت الملاحظة، وإذا كانت العملية تستغرق دقائق فإنه يرتكب خطأ يبقيك أسابيع.. وبغض النظر عن التفاصيل فإن الهدف هو امتصاص دم المريض وأهله لأقصى درجة ممكنة.
لقد تم تنفيذ هذا السيناريو معى ومع إخوتى وأنا صحفى قديم أمارس المهنة منذ ربع قرن، ولى من الوعى ما يمكننى من كشف الملعوب، لكن والدتى كانت رهينة طبية فى يد من لا يرحم ولم أكن أستطيع أن أغامر بإخراجها من غرفة العناية المركزة رغم وعيى بالملعوب، وعندما آن أوان الحساب كان أن تعففت عن شبهة استغلال النفوذ، وكان أن دفعت مع إخوتى المبلغ المطلوب الذى هو فى حقيقته كل المدخرات التى ادخرتها والدتى فى رحلة العمر الطويل.
إننى أعرف أن هذه ليست الحالة الوحيدة للإهمال الطبى، ولا للنصب الطبى، وأعرف أيضاً أنه لا أمل لأبناء الطبقات الوسطى فى العلاج المجانى، لكن ما لا أعلمه هو لماذا تسكت الدولة الآن على مافيا الطب والمستشفيات الخاصة فى مصر، وما أعلمه أن حملة (١٠٠ مليون صحة) يجب أن تتسع لتشمل محاربة المافيا الطبية.. خاصة أننى سمعت أن بعض أطباء مصر صار يتقاضى عشرة آلاف جنيه كشفاً فى عيادته! فهل من أحد يوقف هذا الجنون؟