فى الوقت الذى تواجه فيه مصر خطر الإرهاب المعلن والواضح، فإن هناك خطراً آخر لا يقل أهميةً هو المخدرات.. وبحسب محاضرة لكل من د. إيهاب الخراط، ود. نبيل القط استشاريى علاج الإدمان، فإن عدد المدمنين فى مصر هو ٣٫٥ مليون مدمن تقريباً، وإذا افترضنا أن متوسط تكلفة استهلاك المدمن من المخدرات هى ثلاثة آلاف جنيه شهرياً.. تكون التكلفة ٩ مليارات جنيه شهرياً يُنفقها المدمنون على المخدرات، وهو ما يعنى أن المخدرات تكلف مصر ١٠٨ مليارات جنيه سنوياً تُنفَق على المخدرات فقط، دون حساب الخسائر التى تنتج عن ساعات العمل التى يهدرها المدمنون، ودون حساب ما تتكلفه وزارتا الصحة والداخلية فى علاج آثار الإدمان ومطاردة المهرِّبين، هذه الأموال لو وُجِّهت للبناء والاستثمار فسيكون لمصر شأن آخر.
تعاطِى المخدرات له تاريخ طويل فى مصر، وقد أمر «نابليون» بإغلاق (المحاشش) التى كان المصريون يدخنون فيها الحشيش، وقد حدث انفجار فى استهلاك المصريين للمخدرات عقب فشل الثورة العرابية، واستمر ذلك حتى عشرينات القرن الماضى، حين نجح راسل باشا، الرئيس الإنجليزى لمكتب مكافحة المخدرات، فى حصار الظاهرة، التى ظلت محاصَرة من الثلاثينات حتى الثمانينات حين غزا مخدر الهيروين مصر مرة أخرى مع الانفتاح الاقتصادى، وظلَّ متمكناً من رقاب المدمنين دون أن تنجح الدولة فى حصاره، وبحسب د. نبيل القط، فإنه ليس صحيحاً أن الهيروين هو مخدر الأغنياء، حيث تزيد نسب استهلاكه بين الفقراء وغير المتعلمين، وبالتأكيد فليس كل الناس عُرضة للمخدرات، ولكن الذين يتحولون لمدمنين هم أولئك الذين لديهم استعداد وراثى للإدمان، فضلاً عن الذين يكبرون فى أُسر بها قدر كبير من العنف، وبحسب المحاضرة، فإن مشكلة المخدرات فى مصر لها شِقّان، هما التاجر والمتعاطى، وقد ركزت سياسة مكافحة المخدرات لدينا على مطاردة التجار وخفض الكميات المعروضة من المخدرات، فى حين ما زال هناك الكثير الذى يمكن بذله لعلاج متعاطِى المخدرات ومدمنيها، حيث تحتاج مصر لـ٣٥٠ ألف سرير لعلاج المدمنين، يتوفر منها ٣٢٠ ألف سرير فقط، ويظل هناك احتياج لـ٣٠ ألف سرير إضافى.. ومؤخراً دخلت مصر طرق جديدة للعلاج، تعتمد على أن ينتظم المدمنون فى مجموعات علاجية ومجتمعات صحية، هذه الطرق التى دخلت مصر، وعبَّر عن بعضها المسلسل الشهير «تحت السيطرة»، تختلف عن طرق العلاج الطبى العادية، ويشكو القائمون عليها من أن وزارة الصحة تعامل المراكز التى تقدمها معاملة المراكز الطبية، وتتعنت فى الاشتراطات التى تطلبها منها، وهو ما يعطل طاقتها عن العمل، والمساهمة فى مواجهة ظاهرة التعاطى.. وهو ما يستحق نظرة أخرى من وزيرة الصحة، التى يمكنها إزالة هذه العوائق، لتضمن وجود محاربين جدد للظاهرة التى أثق أنها من أهم أسباب تأخُّر المجتمع المصرى عن المكانة التى يستحقها.